يتصور الكثير من الرجال أن جبر خاطر الأرملة وعونها، يكون بالطمع في عرضها وجسدها، خاصة إذا مات عنها زوجها وهي صغيرة لا يتجاوز عمرها الثلاثين عامًا، وتتمتع بقدر من الجمال، فدائمًا ما ترى الرجال ينهلون بالسؤال عليها والتعرض لها، استضعافًا لحالها، وهناك من يعرض عليها أن تكون عشيقة له في الحرام، بعدما عرف أنها لن تجد من يدافع عنها في وجهه، ومن الرجال من يدعي الرحمة بها فيعرض عليها مساعدتها ليس إحساسًا بظروفها ودعمًا لها، ولكن ليجد طريقًا من أجل الاقتراب منها، ومن ينتهز الفرصة ليعرض عليها الزواج عرفيًا دون حقوق ولا توثيق، ومنهم من يكن رحيمًا نوعًا ما فيعرض الزواج ولكن في السر، وكأن هذه الأرملة تائهة في الصحراء، أو إنسان منبوذ لا يستحق الحياة الكريمة والمستقرة.
ماذا تحتاج الأرملة؟
فالأرملة ليست أسيرة أو كائن منقوص الإرادة لكي نفرض عليها إرادتنا وشهواتنا، خاصة وأنها بجانب الضغوط التي تجدها في الشارع من ناقصي الشهامة والرجولة، فهي أيضا تتعرض لضغوط داخلية من أسرتها، حيث يعتبر أكثر أسرتها أنها يجب أن تظل في بيتها لتربية أبنائها دون أن يشعر بها وبآلامها أحد، كما يحرمون عليها الزواج ويعتبرونه ضد الوفاء بزوجها المتوفي، فضلا عن مراقبة أفعالها في كل كبيرة وصغيرة، والتربص بها، دون مراعاة لظروفها .
فمسألة فقدان الشريك هي مسألة مدمرة، ويتفاقم حجم تلك الخسارة للنساء في ظل كفاحهن الطويل لتأمين الاحتياجات الأساسية وحماية حقوقهن الإنسانية وكرامتهن.
فربما حُرمت المرأة من حقها في الميراث في قطعة أرض اعتمدت عليها في كسب رزقها، وربما طُردت من منزلها، وربما أُجبرت على زواج لا تريده أو مكابدة الترمل.
وبالتالي فالأرامل يوصمن بوسوم غير لطيفة مدى الحياة، وغالبا ما يتعرضن لممارسات النبذ، وغالبا ما تمر هكذا انتهاكات مرور الكرام حتى تغدو مألوفة.
وهناك ما يقدر بأكثر من 258 مليون أرملة في كل أنحاء العالم، ويعيش عشرهن في فقر مدقع. وللأرامل احتياجات محددة، إلا أن غياب أصواتهن ومعاناتهن عن واضعي السياسات غالبا ما يؤثر على معايشهن.
فالأرملة هي المرأة التي مات عنها زوجها، سميت أرملة لأنها فقدت كاسبها ومن كان عيشها صالحا به، كما قال أهل اللغة؛ ويجب على المجتمع المسلم والدولة المسلمة أن توفر للأرامل والأيتام سبل العيش الكريم حتى يستطيعوا النهوض والقيام بأنفسهم.
فهذا حق من حقوقهم على المجتمع والدولة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة". رواه أحمد وأبو داود، ويكون ذلك أشد توكيداً وأعظم حرجاً إذا كانت المرأة أرملة ولها أيتام؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "ترى المسلمين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى"، رواه البخاري.
وتقول الأمم المتحدة، إن إتاحة المعلومات للأرامل بشأن ما يتصل بحصولهن على حقوقهن المشروعة في المواريث أو الأراض والموارد الإنتاجية فضلا عن المعاشات التقاعدية والحماية الاجتماعي التي لا تستند إلى الحالة الاجتماعية وحدها؛ والعمل الكريم والأجر المكافئ، وفرص التعليم والتدريب.
اظهار أخبار متعلقة
كما أن تمكين الأرامل من إعالة أنفسهن وعوائلهن يعني ضمنا معالجة الوصوم الاجتماعية التي تخلق ممارسات الاقتصاء والنبذ الضارة.
ويُعد اليوم العالمي للأرامل فرصة للعمل من أجل تحقيق الحقوق الكاملة والاعتراف بالأرامل اللواتي يُتجاهلن.
ولا يزال ندرة البيانات الموثوقة والتي لا يمكن الاعتماد عليها أحد العقبات الرئيسية التي تحول دون وضع السياسات والبرامج التي تهدف إلى التصدي للفقر والعنف والتمييز الذي تعاني منه الأرامل، كما أن هناك حاجة إلى مزيد من البحوث والإحصاءات مصنفة حسب الحالة الإجتماعية والجنس والعمر، من أجل المساعدة في الكشف عن حالات الإنتهاك التي تعاني منها الأرامل وتوضيح حالتهم.
وتطالب الأمم المتحدة الحكومات أن تتخذ إجراءات للوفاء بالتزاماتها بكفالة حقوق الأرامل المنصوص عليها في القانون الدولي الذي يتمضن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل. وحتى عندما توجد قوانين محلية لحماية حقوق الأرامل، فإن نقاط الضعف في النظم القضائية في كثير من الدول تمس كيفية الدفاع عن حقوق الأرامل والتي يجب معالجتها. ويمكن أن يؤدي قلة الوعي والتمييز من جانب الموظفين القضائيين إلى تجنب لجوء الأرامل إلى العدالة للحصول على تعويضات.
كما أكدت على أهمية تنفيذ برامج وسياسات لإنهاء العنف ضد الأرامل وأطفالهن، والتخفيف من وطأة الفقر، والتعليم، وغير ذلك من أشكال الدعم للأرامل من جميع الأعمار، بما في ذلك في سياق خطط العمل للتعجيل بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي حالات ما بعد الصراع، ينبغي إشراك الأرامل في المشاركة الكاملة في عمليات بناء السلام والمصالحة لضمان إسهامهن في تحقيق السلام والأمن المستدامين.
وقالت إن تمكين الأرامل من خلال الحصول على الرعاية الصحية الكافية والتعليم والعمل اللائق والمشاركة الكاملة في صنع القرار والحياة العامة، ويعيش بعيدا عن العنف وسوء المعاملة، سيتيح لهن فرصة بناء حياة آمنة من بعد فقدانها. والأهم من ذلك أن إيجاد فرص للأرامل يمكن أن يساعد أيضا على حماية أطفالهن وتجنب دورة الفقر والحرمان بين الأجيال.