قد تتخيل مشاهد يوم القيامة من خلال الأحاديث النبوية، وبعض التفاسير وأقوال العلماء، لكنك لن تجد تصويرًا دقيقًا لمشاهد القيامة كما صورتها سورة "التكوير" في القرآن الكريم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يرى يوم القيامة رأي العين فليقرأ إذا الشمسُ كُوّرت".
فهذه السورة الكريمة تحمل تصويرًا دقيقًا لأهوال يوم القيامة، رغم أنها لا تتعدى في المصحف الشريف صفحة واحدة فقط.
وسورة التكوير مقصودها التحذير الشديد من عذاب الله العظيم في هذا اليوم وهو يوم القيامة، وتحمل التهديد الشديد بيوم الوعيد الذي هو محط الرحال، لكونه أعظم مقام يجد فيه الإنسان عمله وجزاءه عليه، فالإيقاع العام للسورة أشبه بحركة جائحة، تنطلق من عقالها، فتقلب كل شيء، وتنثر كل شيء؛ وتهيج الساكن وتروع الآمن؛ وتذهب بكل مألوف وتبدل كل معهود؛ وتهز النفس البشرية هزا عنيفا طويلا، يخلعها من كل ما اعتادت أن تسكن إليه، وتتشبث به.
فالدنيا والأرض التي نعيش عليها هي في عاصفة الهول المدمر الجارف ريشة لا وزن لها ولا قرار، ولا ملاذ لها ولا ملجأ إلا في حمى الواحد القهار، الذي له وحده البقاء والدوام، وعنده وحده القرار والاطمئنان، فهذا ما دلت عليه هذه السورة الكريمة في أَحوال القيامة، وأَهوالها، وما يصاحبها من انقلاب كوني هائل كامل، يشمل الشمس والنجوم والجبال والبحار، والأرض والسماء، والأنعام والوحوش، كما يشمل بني الإنسان.
فقد جعل الله عز وجل السورة بإيقاعها العام تخلع النفس من كل ما تطمئن إليه وتركن، لتلوذ بكنف الله، وتأوي إلى حماه، وتطلب عنده الأمن والطمأنينة من خلال هذه الثروة الضخمة من المشاهد الرائعة، سواء في هذا الكون الرائع الذي نراه، أو في ذلك اليوم الآخر الذي ينقلب فيه الكون بكل ما نعهده فيه من أوضاع.
فضل التكوير:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد من حديث أُبي: «مَنْ أَحبّ أَن ينظر إِلى يوم القيامة فليقرأ {إِذَا الشَّمْسُ كورت}، ومن قرأها أَعاذه الله أَن يفضحه حين ينشر صحيفته».
وحديث علي: «يا علي مَنْ قرأها أَعطاه الله ثواب الصّالحين، وله بكلّ آية ثوابُ عِتْق رقبةٍ».
وجاء عن بعض المفسرين: مَنْ لدغته العقربُ يقرأ ثلاث مرَّات {إِذَا الشَّمْسُ كورت}، وينفُخها في ماء، ثمّ يشربه، يسكنْ في الحال.
وسورة التكوير هي إحدى السور المكيّة ويبلغ عدد آياتها تسعًا وعشرين آية، وترتيبها في المصحف الشريف هو الحادي والثمانين.
مظاهر يوم القيامة في سورة التكوير
اشتملت السورة على اثنتي عشرة علامة من العلامات الكبرى ليوم القيامة، من بينها ستة أحداث تقع بعد النفخة الأولى في الصور، وعندها تزول الدنيا ويموت جميع الأحياء، وبعد حدوث النفخة الثانية تحدث ستة علامات أخرى أشد وطأً، لا يستطيع الإنسان احتمال واحدة منها فقط فضلًا عن جميعها.
وأول هذه المظاهر: انطفاء ضياء الشمس والنجوم
تبدأ السورة بأول هذه العلامات حيث يقول الله تعالى “إذا الشمسُ كُوّرتْ” أي انطفى نورها ولم يصبح لها شعاع ولا ضياء، وبالتالي تُظلم الدنيا، ولا يقتصر الأمر على الشمس فقط حيث أن النجوم تنكدر "وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ" أي ينتثر لونه ويتعكر بحيث لا يكون فيه من الصفاء والضياء.
2/زوال الجبال من أماكنها
تزول الجبال من أماكنها وتتحرك من المواقع الخاصة بها بعدما كانت راسخة شديدة الثبات يستحيل تحركها، بينما في هذه اللحظة تُسيّر بحيث تكون أشبه بالسراب "وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ".
3/تعطيل العِشار
لا يقتصر الأمر على الآيات الكونية فحسب، بل إن العشار من الحيوانات تتعطل بحيث لا تحمل الأرحام، "وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ"، أي إذا كان الرحم حاملًا فإنه يسقط ما فيه من فرط الأحداث الرهيبة.
4/هروب الوحوش
"وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ"، فمع مجيء يوم القيامة تُحشر الوحوش التي كان الناس يخافون منها بشدة، بحيث تنضم بعضها إلى بعض من شدة خوفها من القيامة، وتبدأ هذه الوحوش في الدخول إلى الأوكار لأنها تظن أن هذه الأوكار سوف تنجيها من أمر الله تعالى.
5/اشتعال النيران في البحار
"وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ"، بالنسبة إلى البحار، فإنها تُسجر وذلك بعدما تجمع الشمس والقمر فيها فتشتعل فيها النيران ويجف مائها، ومن شدة هذه النار أصبحت البحار بلا شاطئ، بل إن النار تفجر جميع الشواطئ، بحيث يكون هناك خراب ممتد بلا نهاية.
6/اجتماع الناس يوم القيامة في جماعات
هذه هي العلامات الست التي تحدث بعد النفخة الأولى، أما بالنسبة لباقي العلامات فإنها تحدث تباعًا بعد النفخة الثانية، ويسرد الله هذه العلامات فيقول “إذا النفوسُ زُوّجت” والمقصود بذلك هو حشر الناس يوم القيامة في جماعات وليس المراد هو الزواج، لأن يوم القيامة لا يوجد زواج ولا إنجاب.
7/ سؤال المظلومين لتخويف الظالمين
بعد أن جمع الله الناس في جماعات، يأتي ببعض المظلومين ليسألهم عن السبب الذي ظُلموا من أجله، "وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ"، ومن أبرز هؤلاء المظلومين البنت التي قتلها والدها وهي لا تزال صغيرة وبريئة بلا خطيئة، حيث كان العرب يخافون من إنجاب البنات لأنها قد تُلحق العار بهم.
8/اطلاع كل شخص على صحيفته
ينشر الله تعالى الصحف على عباده لكي يطلع كل شخص على ما قام به في الدنيا ويقرأ ما في الصحيفة بوضوح، "وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ" وتكون الكتابة في هذه الصحيفة واضحة يمكن رؤيتها بالعين أو تحسسها باليد؛ لكي لا يتمكن أحد من إنكار ما قام به.
9/استعداد جهنم لأهل النار واقتراب الجنة من أهلها
جعل الله نار جهنم موقدة منذ قديم الأزل، ولكنها تزداد بسبب الخطايا التي يرتكبها الناس، وفي هذا اليوم تستعد لاستقبال أهل الجحيم الذين يدخلون إليها أفواجًا.
مثلما تستعد الجحيم لأصحابها، فإن الجنة تقترب من أهلها أيضًا، حيث أن كل نفسها وقتها قد تكون عرفت مصيرها تبعًا لما كانت تعمل في الحياة الدنيا.
10/الوحي حقيقة من الله تعالى لرسوله
القرآن هو قول رسول كريم والمقصود به هو أمين الوحي جبريل والذي يتميز بالكرم في الطبع فهو لا يمكن أن يخفي شيئًا على النبي صلى الله عليه وسلم بجانب تمتعه بالقوة فهو الذي استطاع أن يُهلك قوم لوط عندما حملها على طرف جناحه نظرًا لأنه ذو مكانة عند الله تعالى ومطاع من الملائكة في الملأ الأعلى.
وقد أطلق مشركو مكة بعض التهم على النبي؛ لذلك جاء القرآن الكريم لينفي هذه التهم، ويُذكّر الله تعالى بأنه الرسول ليس بضنين على الغيب حيث أنه يبلغ جميع ما أمر الله به فلا يكتم شيئًا منه.
كما نفى الله تعالى تهمة نقل الرسول للقرآن عن الشيطان الرجيم حيث يقول الله “ومَا هوَ بقَولِ شَيطانٍ رجيمٍ” وأن هذا القرآن هو أبين السبل للحق، فلماذا تبحثون في غيره؟!.
وأنزل الله تعالى القرآن الكريم للعالمين ويستطيع من أراد الاستقامة أن ينتفع به، وضبط الله مشيئة العبد بمشيئته حتى لا يمن المؤمن على الله بإسلامه، بل إن الله هو الذي هداه لذلك ولولاه لم يكن ليهتدي إلى هذا الدين.
اقرأ أيضا:
"الباقيات الصالحات".. كلمات أحبّ إلى النبي مما طلعت عليه الشمس