قديمًا قالوا: "إن القطة دخلت النار مسرعة دون تردد لإنقاذ أولادها الذين وقعوا فيها"، والحقيقة أن الرحمات التي ينزلها الله عز وجل إلى الأم بوليدها، كبيرة وعظيمة للدرجة التي لا يمكن لأحد أن يتخيلها، وبالتالي ليست القطة فقط هي من دخلت النار لإنقاذ أولادها، وإنما كل أم، آدمية كانت أو تتبع الحيوانات، لاشك أن غريزتها في الأمومة لا يمكن وصفها.
الأمومة لاشك هي العطاء الدائم بلا حدود، فتجد المرأة تترقب هذه الهبة بكل حب وحنان، ومع كل نبض ينبض به قلبها، مهما لاقت من صعاب طول مدة حملها أو بعد وضعها فلذة كبدها، تحمله بين يديها وتحرسه عيناها وقلبها وصدرها، لأن الله تعالى وضع في كيانها الرقة والحنان، لتسير الحياة على نظامها المعهود الذي سيره الله تعالى وسخره بمشيئته لإعمار هذا الكون.
غريزة الأمومة
لا يمكن وصف أي مشاعر أو حنية بمشاعر أو حنان الأم، فهي أعم وأشمل وأقوى وأكبر، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرةَ التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبَني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن الله قد أوجَبَ لها بها الجنة، أو أعتَقَها بها من النار».
إنها الأم التي وصى بها المولى جل جلاله، وجعل حقها فوق كل حق، قال تعالى: « وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ » (لقمان: 14).. إنها الأم.
يا من تريد مغفرة الذنوب وستر العيوب، فهذا رجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: أذنبت ذنبًا كبيرًا؛ فهل لي من توبة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من أم؟»، قال: لا، قال: «فهل له من خالة؟»، قال: نعم، قال: «فبرها».
اقرأ أيضا:
قال له أوصني يا رسول الله.. فماذا قال له.. تعرف على تفاصيله الهدية النبويةرحمات الأم
رحمات الأم، من رحمات الله عز وجل، ففي الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبيًا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟»، قلنا: لا والله، فقال: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها».
وكأن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، حين أراد أن يعبر عن مدى رحمات الله عز وجل، لم يجد أهم ولا أقوى ولا أعظم بين بني البشر من حنان الأم، ليكون الرابط مع رحمات الله سبحانه وتعالى، ولمّ لا، وهي الأم التي جعل الله الجنة تحت أقدامها.