ذكر أحد المقربين من الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان: أنني صرت إليه يومًا، فإذا هو في صحن الدار رأيته مضطجًعا على مصلاه موليًا ظهره باب مجلسه، فهممت بالرجوع.
فقال لي الحاجب: أدخل فإنه منتبه، فلما سمع حسي جلس، فقلت: حسبتك نائمًا، قال: لا، ولكني كنت مفكرًا، قلت: في ماذا أعزك الله؟
قال: فكرت في أمر الدنيا وصلاحها في هذا الوقت واستهوائها ودرور الأموال وأمن السبيل وعز الخلافة فعلمت أنها أمكر وأنكر وأغدر من أن يدوم صفاؤها لأحد.
قال: فدعوت له وانصرفت، فما مضت أربعون ليلة منذ ذلك اليوم حتى قتل الخليفة العباسي المتوكل ونزل به من النفي ما نزل.
نبوءة للإمام ابن جرير الطبري:
يقول أحد طلاب الإمام ابن جرير الطبري لما خلع الخليفة العباسي المقتدر في المرة الأولى ، وبويع الشاعر عبد الله بن المعتز بالخلافة، دخل على شيخنا أبي جعفر الطبري فقال له: ما الخبر، وكيف تركت الناس؟ أو نحو هذا من القول. فقال له: بويع عبد الله بن المعتز، قال: فمن رشح للوزارة؟ قال: محمد بن داود بن الجراح، قال: فمن ذكر للقضاء؟ قال الحسن بن المثنى.
فأطرق مليا ثم قال: هذا أمر لا يتم ولا ينتظم، قال: قلت له: فكيف؟
فقال: كل واحد من هؤلاء الذين سميت متقدم في معناه على الرتبة من أبناء جنسه، والزمان مدبر والدنيا مولية، وما أرى هذا إلا إلى اضمحلال وانتقاص ولا يكون لمدته طول، فكان الأمر كما قال، ورأيت صحة قوله في أسرع وقت.
اظهار أخبار متعلقة
عالم يرفض تربية وتأديب أولاد الأمير:
قدم الأمير محمد بن قحطبة الكوفة فقال: أحتاج إلى مؤدب يؤدب أولادي، حافظ لكتاب الله عز وجل، عالم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالآثار والفقه والنحو والشعر وأيام الناس؟
فقيل له: ما يجمع هذه الأشياء إلا داود الطائي وكان محمد بن قحطبة ابن عم داود، فأرسل إليه يعرض ذلك عليه ويذكر له الأرزاق والفائدة، فأبى داود ذلك.
فأرسل بكيس فيه عشرة آلاف درهم، وقال له: استعن بها على دهرك، فردها، فوجه إليه بصرّتين مع غلامين له مملوكين، وقال: إن قبل الصرتين فأنتما حران.
فمضيا بهما إليه فأبى أن يقبلهما فقالا له: في قبولهما عتق رقابنا.
فقال لهما: إني أخاف أن يكون في قبولهما وضع رقبتي في النار، رداها إليه وقولا له أن يردهما على من أخذهما منه أولى من أن تعطيني إياهما.