«المقطوع من شجرة»، جملة يعتاد قولها بحق من مات أهله، ولم يتبق له أحد منهم على الإطلاق، فلا أب ولا أم، ولا أخ أو أخت، وترى حين يُذكر مثل هذا الشخص يتعاطف معه الجميع، ويكأن كل الناس باتوا أهله، فيسأل عنه الجميع، خصوصًا لو كان صغيرًا في السن.
لكن ما لا يعرفه كثير من الناس أن «المقطوع من شجرة» هذا، ليس من مات جميع أهله، وإنما من ترك صلاة العصر، ولو لمرة واحدة، والدليل على ذلك هو: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وتر أهله وماله»، ويبين العلماء أن معنى (وتر أهله وماله)، أي: فقد أهله وماله، ويكأن هذا الشخص بات في أشد الحاجة لمن يرعاه أو يواسيه في فقد أهله.
ترك صلاة العصر
المعنى الذي يريده الحديث النبوي الشريف، هو لمن ترك صلاة العصر ساهيًا، وليس متعمدًا، لأن ﺍﻟﻤﺘﻌﻤﺪ ﻓﺸﺄﻧﻪ ﺃﻋﻈﻢ، ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻓﻘﺪ ﺣﺒﻂ ﻋﻤﻠﻪ، ولا ﺷﻚ ﺃﻥ ﺃﻣﺮﻩ ﺃﺷﺪ؛ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺟﺎﺀ ﻓﻴﻪ، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻓﻘﺪ ﺣﺒﻂ ﻋﻤﻠﻪ))، ﻭﺍﻟﻌﺼﺮ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﺷﺪﻳﺪ، ﻭﺍﻟﺘﺸﺪﻳﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﺼﺒﺢ، ﻭﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻓﻲ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺤﺼﺮ، ﻭﺍﻟﻌﺼﺮ ﻫﻲ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ، وهي الصلاة التي أكد عليها المولى عز وجل على أهمية ووجوب وضرورة الحفاظ عليها في وقتها، قال تعالى: « حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى » (البقرة: 238)، وأما فوات وقت صلاة العصر فهو كما بينه ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، من أﻥ ﻓﻮﺍﺗﻬﺎ ﺑﻐﺮﻭﺏ ﺍﻟﺸﻤﺲ.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟فضل العصر
وترك صلاة العصر يعني كأن يكون الإنسان قد فقد كل أهله، ﻓﻬﻞ ﻧﺴﺘﺸﻌﺮ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺇﺫﺍ ﻓﺎﺗﺘﻨﺎ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺼﺮ؟.. فقد ﺫﻛﺮ ﻋﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺃﻥ ﻣﻦ ﻓﺎﺗﺘﻪ ﺗﻜﺒﻴﺮﺓ الإﺣﺮﺍﻡ يُعاد أي (ﻳﻤﺮﺽ)، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻤﻦ ﻓﺎﺗﺘﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺔ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﻓﺎﺗﻪ ﻭﻗﺖ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺑﻘﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺫﻡ ﻣﻦ أخر ﺍﻟﺼﻼﺓ ﺇﻟﻴﻪ؟.
وأما من فضائل صلاة العصر، فهو ما يرويه العلماء من أن بعض السلف ذكروا أنها الوقت المراد بالإشهاد على الوصية فيه في قول الله تعالى: «تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ » (المائدة: 106)، وفي ذلك يقول سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: «إذا كان الرجل بأرض الشرك، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر».