يتصور الكثير من الناس، أن تقديم المعروف إلى من أحسن إليه إنما هو من (الإحسان)، أو ربما يتصوره أنه غاية الإحسان إذا كان هذا الشخص فقيرًا أو محتاجًا، بينما هو في الحقيقة مكافأة عن المعروف الذي سبق وقدمه هذا الشخص لك، بينما الإحسان الحقيقي هو أن تحسن إلى من أساء إليك.
عن الشعبي رحمه الله قال: كان عيسى ابن مريم - عليه السلام - يقول: «إن الإحسان ليس أن تحسن إلى من أحسن إليك، إنما تلك مكافأة بالمعروف، ولكن الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك»، وفي ذلك يحث الإسلام، المؤمنين على مقابلة الإساءة بالإحسان، حتى تسود روح المودة والأخوة والمحبة بين الناس، ولا تظهر الشحناء والبغضاء والكراهية بين البشر، امتثالاً لقوله تعالى: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (سورة فصلت: الآية 34).
السماح والعفو
لاشك أن هذا حلق عظيم، وهو من سماحة الإسلام، أن يسامح المرء من أساء إليه ويعفو عنه، بل أنه جعل من شروط الإيمان الحب في الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»، كما حث الإسلام على القيم النبيلة التي من شأنها أن تحافظ على بقاء الأخوة الإسلامية.
ومن ذلك ما تدعو إليه هذه الآية الكريمة، قال تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ» (المؤمنون 96).
فإذا أسئء إليك من أعدائك، بالقول والفعل، لا تقابل ذلك بالإساءة، وادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، قال تعالى: «... فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ..»، (سورة الشورى: الآية 40).
اقرأ أيضا:
سنة نبوية مهجورة .. من حرص علي إحيائها قربه الله من الجنةالنتيجة العظيمة
هنا إياك أن تتصور عزيزي المسلم، أن جزاءك سيكون قليلاً، بالعكس، لك أجران، الأول في الدنيا، أن يرفع الله من شأنك بين الناس، والثاني في الآخرة، وهي لاشك الجنة، فهل هناك أفضل أو أعظم من ذلك؟.
فقد قرن الله تعالى دفع السيئة بالحسنة بالصبر والصلاة والإنفاق، ووعدهم بعقبي الدار، فقال سبحانه: «وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَ?ئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ»، (سورة الرعد: الآية 22).
ومواقف الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم مع المسيئين إليه، تؤكد تمامًا أثر العفو في جمع الناس وتأليفهم، فرغم أنه أُخرج وأُبعد عن أهله، وغادر مكة بعد محاولة قتله، إلا أنه لما عاد إلى مكة فاتحًا ظافرًا قال: «ما ترون أني صانع بكم؟»، قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».