كان النبي صلى الله عليه وسلم، يداوم على بعض الأذكار والتسبيحات والأدعية دبر كل صلاة مفروضة، وثبت أنه علّم عددا من الصحابة رضوان الله عليهم ما يقولونه من أذكار بعد الصلاة مما ورد في أحاديث الكتب الستة الصحيحة، وكان الصحابة يواظبون عليها عقب الصلوات الخمس المكتوبة.
ومنها ما جاء في حديث المغيرة يدل على شرعية الذكر عقب الصلاة، وهذا بعد السلام كما جاء في رواية مسلم، كان يقول ذلك إذا سلَّم، من حديث المغيرة: إذا سلَّم من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجد، وهذا يُستحب بعد السلام، يأتي به المؤمنُ.
زاد أبو داود والنَّسائي: يقولها ثلاث مرات: لا إله إلا الله.
وروى مسلمٌ عن عبدالله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي كان يقول بعد السلام: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
وعند مسلم من رواية المغيرة عند الشيخين هذا الذكر كله يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، وذلك بعد أن ينتهي من الصلاة ويسلم، وبعد الاستغفار، كما في حديث ثوبان، بعد ذلك يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدّ، منك الجد، هذا مجموع ما جاء في الروايتين: ابن الزبير والمغيرة، ويحتمل أنَّ ما رواه المغيرة قاله النبيُّ في بعض الأحيان، وما رواه ابن الزبير يقوله بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، من باب التنوع، وإذا جمع المؤمنُ ذلك جمعًا بين الخير واحتياطًا فذلك أفضل وأكمل؛ لما في هذا من الخير العظيم.
وفي حديث ثوبان عند مسلم: يستغفر ثلاثًا ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام هذا بعد الانصراف، إذا انصرف من صلاته قال هذا، يعني: إذا سلَّم من صلاته.
ويدل على أنه يبدأ به رواية عائشة: أنه كان يقول هذا: اللهم أنت السلام .. إلى آخره قبل أن ينصرف للناس، قبل أن يُقبل عليهم بوجهه. هذا رواه مسلم عن عائشة فيما يتعلق بقوله: اللهم أنت السلام، زاد ثوبان: ويستغفر الله ثلاثًا.
وهذا هو الجمع بين الروايات: يستغفر ثلاثًا، سواء كان إمامًا أو منفردًا أو مأمومًا، يستغفر ثلاثًا، كما سُئل الأوزاعي -أحد الرواة- عن ذلك قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثم يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" كما رواه ثوبان وعائشة، كلاهما عند مسلم، لكن ثوبان انفرد بالاستغفار.
ثم بعد ذلك ينصرف، فدلَّ هذا على أنَّ هذا يكون قبل الذكر الآخر، قبل الذكر المحفوظ في حديث ابن الزبير، وقبل الذكر في حديث المغيرة.
اظهار أخبار متعلقة
وفي حديث سعد بن أبي وقاص الدعاء في دبر الصلاة: فيقول: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أُرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر.
فهذه الدَّعوات العظيمة كان النبيُّ يدعو بها عليه الصلاة والسلام في آخر الصلاة، والأولى أن يقول ذلك في دبر الصلاة، في آخرها قبل أن يُسلم؛ لأنَّ هذا هو الأقرب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدع به، ثم ليختر من المسألة ما شاء، فهو في حال الصلاة وفي حال إقباله على الخروج منها فيختمها بهذه الدَّعوات العظيمة، كما ختمها بالتَّعوذ بالله من عذاب القبر.
وفي حديث أبي هريرة أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَن سبَّح الله دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين الجميع تسع وتسعون، وتمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير؛ غُفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.
التسبيح والحمد والتكبير
وجاء في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة في قصة فقراء المهاجرين: أنهم اشتكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ المهاجرين الأغنياء سبقوهم: لهم دثور، لهم أموال يُنفقون منها ويتصدَّقون منها، والفقراء ليس عندهم ذلك، فقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: ألا أدلكم على شيءٍ تُدركون به مَن سبقكم، وتسبقون مَن بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا مَن صنع مثلما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تُسبحون وتحمدون وتُكبرون دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، ولم يقل لهم: لا إله إلا الله.
قال الراوي: فرجع فُقراء المهاجرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله: يُسبحون ويُكبرون مثلما فعلنا، مثلما علمتنا، يعني: إشارة إلى أنه ما في حيلة حتى نُساويهم أو نزيد عليهم؟ فقال النبيُّ عند هذا: ذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء، إذا سبق المهاجرون الأغنياء: شاركوا الفقراء بالأعمال الصَّالحات، مع ما عندهم من الزيادة من الصَّدقات في أموالهم والعتق ونحو ذلك؛ فهذا فضل الله يُؤتيه مَن يشاء.
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ « يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ». أخرجه أبو داود.