عبادة الله اسم جامع لفعل كل ما أمر الله تعالى به ورسوله وهذه العبادة لا مجال فيها للاجتهاد بل هي متوقفة على ما يشرع وأي خروج عن هذا يعد من الابتداع في الدين، ويبقى السؤال: كيف نعبد الله تعالى؟
نعبد الله لا طمعًا في جنته ولا خوفًا من ناره:
من العبارات الشهيرة والقديمة أيضا ما يردده البعض من أن عبادة الله تكون حبًا فيه ولا نعبد الله خوفًا من ناره، ولا طمعًا في جنته وتختلف صيغة ما يردد من عبارات في هذا المعنى غير ان هذه العبارة مهما اختلف صيغها غير صحيحة شرعا ولا يعول عليها، وقد فصَّل ابن تيمية وابن القيم القول في الرد على قول مَنْ قال: "ما عبدناك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك"، فقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى: "وَإِذا كَانَت الْمحبَّة أصل كل عمل ديني، فالخوف والرجاء وَغَيرهمَا يسْتَلْزم الْمحبَّة وَيرجع إِلَيْهَا، فَإِن الراجي الطامع إِنَّمَا يطْمع فِيمَا يُحِبه لَا فِيمَا يبغضه، والخائف يفر من الْخَوْف لينال المحبوب.. فالرجاء وَإِن تعلق بِدُخُول الْجنَّة، فالجنة اسْم جَامع لكل نعيم وَأَعلاهُ النّظر إِلَى وَجه الله كما في صحيح مسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن صُهَيْب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة، نَادَى مُنَاد يَا اهل الْجنَّة: إِن لكم عِنْد الله موعد يُرِيد أَن ينجزكموهن، فَيَقُولُون: ما هو؟ ألم يبيض وُجُوهنا؟ ألم يثقل موازيننا ويدخلنا الْجنَّة، وينجينا من النَّار؟! قال: فَيكْشف الْحجاب، فَيَنْظُرُون إِلَيْه فما أَعْطَاهُم شَيْئا أحب إِلَيْهِم من النّظر إِلَيْه وهو الزِّيَادَة).
العبادة بين الخوف والرجاء:
والصحيح في شأن العبادة وهو المتفق عليه عند أهل السنة أن عبادة الله تكون بين الخوف والرجاء فهما متلازمان عند أهل السنَّة، وعلماء أهل السُنَّة يقولون: ينبغي للإنسان وهو في أيام صحته أن يغلِّبَ الخوف دائمًا على الرجاء، وأن يكون خوفه أغلبَ من رجائه، فإذا حضره الموت غلَّب الرجاء حينئذ، فلا ينبغي للمؤمن أن يموت إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل.
وإذا تأملنا نصوص القرآن والسنة نجدها تؤكد هذا المعنى بأن يكون المسلم دائما بين الخوف والرجاء يعبده طلبا للجنة وخوفا من النار فهذه عبادة الرسل والأنبياء والصالحين وهذا هو الصحيح؛ فقد قال الله تعالى عن حال أنبيائه ورسله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الأنبياء:90). وأمرنا سبحانه بقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وقال الله عز وجل: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}.
بل لقد مدَحَ اللَّه عز وجل عباده الصالحين أَهْلَ الْخَوْف والرَّجاء بقوله سبحانه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}(الزُّمَرِ:9)، وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}(السجدة:16). قال ابن كثير: "أي: خوفا مِنْ وبال عقابه، وطمعا في جزيل ثوابه".
المزاوجة بين الخوف والرجاء في العبادة:
ومن السنة ما رواه الْبَرَاء بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذا أَتَيْتَ مَضْجَعَك (مكان نومك) فتوضأ وضوءك للصلاة، ثُمَّ اضْطَجِعْ على شِقِّكَ (جانبك) الْأَيْمَنِ وقل: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسي إِلَيْك، وَفَوَّضْتُ أمرى إليك، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْك، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْك، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْك، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْت، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْت، فَإِنْ متَّ متَّ عَلَى الْفِطْرَة فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تقول) رواه البخاري. قال الكرماني: "(رهبة ورغبة) أي خوفا من عقابك وطمعا في ثوابك"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِرَجُلٍ: (ما تقول في الصَّلاة؟ فقال: أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّة، وَأَعُوذُ بِه مِنْ النَّارِ، أَمَا وَاللَّهِ مَا أُحْسِن دَنْدَنَتَك، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ ـ أي : ابن جبل ـ، فقال صلى الله عليه وسلم: حَوْلَهَا نُدَنْدِن).