ذكر التابعي طاووس اليمني: بينما أنا جالس مع الحجّاج بمكة إذ مرّ رجل يلبي حول البيت، فرفع صوته بالتلبية.
 فقال الحجاج: عليّ بالرجل، فأتي به، قال: ممن الرجل؟ قال: من المسلمين، فقال: ليس عن هذا سألتك، قال: فعم سألت، قال: عن البلد، قال: من أهل اليمن.
 قال: كيف تركت محمد بن يوسف- شقيق الحجاج-؟ قال: تركته عظيما جسيما، ركّابا خراجا ولاجا، قال: ليس عن هذا سألتك، قال: فعم سألت؟ قال: عن سيرته؟
قال: تركته ظلوما غشوما، مطيعا للمخلوق، عاصيا للخالق، قال: فما الذي حملك علي بهذا فيه، وأنت تعرف مكانه مني؟
 قال: أتراه مكانه منك أعز بمكاني من الله عز وجل وأنا قاضي دينه، ووافد بيته، ومصدق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فسكت الحجاج فما أحار جوابا، وقام الرجل فدخل الطواف.
يقول طاووس: فاتبعته فإذا هو في الملتزم، وهو يقول: اللهم إني أعوذ بك، اللهم فاجعل لي في الكهف إلى جودك، والرضا بضمانك، مندوحة عمن سواك الباخلين، وغنى عما في أيدي المستأثرين، اللهم فرجك القريب، ومعروفك القديم، وعادتك الحسنة.
 فلما كان عشية عرفة، رأيته واقفا على الموقف فدنوت منه، فسمعته يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي، فلا تحرمني الأجر على مصيبتي بتركك القبول مني.
 قال: فلما كان غداة جمع أفاض مع الناس، فسمعته يقول: يا سوءتاه منك يا رب وإن غفرت.. ثم لم أره بعد ذلك.

اقرأ أيضا:

لكل عروس مهر.. ما المهر الذي دفعه أبونا آدم لأمنا حواء؟

تحرش بامرأة:

عن أبي سهم قال: كنت بالمدينة فمرّت بي امرأة فأخذت بكشحها- ببطنها-، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبايع الناس، فأتيته فلم يبايعني، فقال: أنت صاحب الجبذة بالأمس؟ فقلت: يا رسول الله، لا أعود، قال: فبايعني.
فوائد عن الناس سواء كأسنان المشط:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الناس سواء كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية، والمرء كثير بأخيه، ولا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له ".
تضمن هذا الخبر بألفاظه اللطيفة الجامعة، ومعانية الشريفة النافعة، حكما متقبلة في العقل، ثابتة في الفضل، راجحة في ميزان العدل.
وقوله عليه السلام: " الناس سواء كأسنان المشط " من أوضح الكلام النبيه، وأحسن التمثيل والتشبيه، وقد قال الشاعر:
"سواسية كأسنان الحمار".. فنحا هذا النحو في العبارة من التساوي والتشاكل، والاشتباه والتماثل.
فأما قول هذا الشاعر: سواسية.. فإن بعض علماء أهل اللغة ذكر أن السواسية هم المتساوون في الشبه، وأن هذا القول إنما يستعمل في الذم.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الناس سواء كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية "، تأديب لهم وحض لهم على تفكرهم في أنفسهم، وأنهم يتساوون في الأصل، ويتفقون في الخلق والصفات. ويتفاوتون في منازل الفضل، ليرجعوا إلى المعرفة بأنفسهم، ويتنزهوا عن المنافسة التي تفسد ذات بينهم، ويجتنبوا البغي والتفاخر، والاستطالة بالتكاثر، وليشكر المفضل منهم ربه عز وجل، إذ أبانه بالفضل على من سواه، وخصه بنعمته دون كثير ممن عداه، ويؤدي حق مولاه فيما أولاه وأبلاه، فإن الناس على ما جاء في الأثر معافى ومبتلى.