تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة من فضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، بالدعوات الشاذة التي تدعو لخلع الحجاب، ونشر الرذيلة والإباحية، باسم الفن، والدفاع عن كل الموبقات التي ترفضها الأديان باسم حرية المعتقد، في الوقت الذي يهاجم هؤلاء معتقد المسلم الصحيح الحسن الخلق الذي يدعوه دينه إلى العمل والطهارة والعفة والإيمان بالله وكتبه ورسله، والوحدانية، والعدل، وعون الفقراء ونصرة المظلومين، والتمسك بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، من أخلاق الأنبياء والسابقين من المؤمنين.
لا يمل هؤلاء من محاولة هدم قيم المسلم ومعتقداته الطيبة التي عددها القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واستبدالها بقيم لا تحض إلا على الفجور والتعري، قال تعالى في سورة النمل: "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" .
فهل سمعت يومًا من أصحاب الدعاوى الشاذة، تحريضًا على خلق حسن أو عمل طيب، أو طلب علم، أو دعوة لنصرة مظلوم أو منع ظالم؟، وهل سمعت من أصحاب هذه الدعاوى اهتماما بالصناعة أو الزراعة أو إعمار الأرض؟، وهل سمعت منهم دعوة لابتكار أو اكتشاف علمي، أو حضًا على طلب علم؟.
إذا أردت أن تفهم حقيقة ما يدور من هذه الدعاوى الشاذة، فانظر إلى أي الأشياء التي تدعو لها، لتلاحظ أنها ما جاءت إلا للحديث عن أمور ترفضها الفطرة السوية، وتحرر جسد المرأة وليس عقلها، لتكون سلعة إعلانية على مواقعهم وقنواتهم وإعلامهم.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟من بين دعاوى أصحاب الأفكار الشاذة، اتهامهم للإسلام والتدين بأنه دعوة للتخلف وعدم اللحاق بركاب الحضارة، فهل سألت نفسك ماذا قدم هؤلاء للمجتمعات التي نعيش فيها بدعواهم الباطلة؟، وانظر إلى قيمة المسلمين قبل ظهور هذه الدعاوى الشاذة، حينما قدَّمَت قيم الإسلام نماذج راقية في امتثالِ تلك المبادئ في كل جوانب الحياة، حتى إن الناس دخلوا في دِين الله أفواجًا، ولم يصِل إليهم جيش، ولم يُهَدَّدوا به، وإنما بمجرَّد وُصول عدد من المسلمين الملتزمين بقِيَمِهم، والمحافظين على تديُّنهم إلى تلك البقاع؛ فتأثَّروا بأخلاقهم وتعامُلاتِهم، ولما علموا أنها مبادئ وقِيَم دينٍ وعبادة يقومون بها، لم يَتردَّدوا في اعتناق الإسلام.
لذلك ارتفع شأنُ هذه الأمَّة لمَّا كان ولاؤها المُطْلق لمبادئها وقِيَمِها، والتي تتَّضح من خلالها معالم الشخصية الإسلامية الحقيقية، وبالمقابل فإن تلك المعالم تذوب وتغيب عندما تذبُل المبادئ، وتُصْبح مجرَّد معانٍ بلاغية، واستراحات قصصية بين مجلَّدات الكتب، وعلى رفوف المكتبات، وشواهد لتعزيز الخُطَب والمحاضرات.
فلا ترتقي أمة إلا إذا انطلقت من قاعدة القِيَم والمبادئ التي قامت عليها يوم أن قامت، فلن يصعد بها إلى مرتبة الأقوياء تقليد الأقوياء ومحاكاتهم، ولو حتى محاكاتهم في تقنياتهم وتكنولوجياتهم وهي في منأًى عن حقيقتها والمتمثِّلة بقِيَمِها ومبادئها.
فحين يضعف دور القِيَم في حياة الأمة وفي توجيه المسار وتحديد المواقف؛ فإنه لن يحول بينها وبين الانحطاط شيء، مهما كان ما تملكه من مال وعلم وتقنية.
فبعض الأمم تستمدُّ قوَّتها من مالها وثَرَوَاتها، والبعض الآخر تستمدُّها من النُّظُم والقوانين التي تقوم عليها، والبعض من القوة التي تملكها وهكذا، لكن أمَّة الإسلام قوتها الكبرى وميزتها في مبادئها وقِيَمها، وكل ما يضاف إليها من أرقام في العلم والتقدُّم والحضارة والبناء وغيرها يزيدها قوة إلى قوتها، لكن هذه الأرقام مهما بلغت فلن تعطي الرقم الحقيقي للأمة، إذا خلا مكان القِيَم.