عجائب وغرائب العبيد مع سادتهم، أكثر من أن تحصى- إيجابا وسلبا- حيث ذكرت كتب الأدب والمجالس الكثير من غرائبها.
عبد وسيده بالبصرة:
يقول أحد وجهاء البصرة: مررت بالنخاسين - تجار الرقيق- ببغداد فإذا أنا برجل ينادي على غلام نظيف له هيئة وجمال، وهو يقول: من يشتري غلاما سارقا آبقا قاتلا لمواليه؟ فعدّد صفات السوء له.
قال: فقلت: يا غلام، ما هذه الصفات بك؟ قال: فقال لي: امض إلى عملك إن أردت أن تمضي، فإن مولاي يريد أن يستعيبني بهذا، قال: فرغبني هذا الكلام فيه.
يقول الرجل: فقلت للمنادي: بعنيه، فقال: مع كل ما وصفت من الصفات المذمومة فيه؟ قال: فقلت: ارم بثمن هذا في البحر.
وتبع في حديثه: فاشتريته بسبعة عشر دينارا وصرت به إلى منزلي، فمكث شهورا لا أرى إلا كل صفة جميلة، حيطة وشفقة ونصحا.
هروب العبد:
وبعد أن أمنته وسلّمت إليه، أخذ كيسا لي فيه جملة ثم هرب، فلم أعرف له خبرا، ولم يكن لي على بيعه وثيقة لما بيّن من صفاته.
قال: فقلت: ما أرى كل ما قيل فيه إلا حقا، وحمدت الله عز وجل إذ كان ما حلّ بمالي ولم تكن بي.
قال: ثم اتصل بي الخبر أنه بالكوفة قد انقطع إلى صيرفي - صائغ انقود-، قال: فخرجت خلفه فأراه قاعدا في الصيارف في دكان رجل نبيل منهم.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟القبض على العبد وظهور الأسد:
قال: فقبضت عليه وقلت: يا عدو الله يا آبق، قال: فقال الصيرفي: أهو مملوك؟ قال: فقلت: نعم، وهو عبدي، قال: فقال الغلام: نعم، هو مولاي وأنا مملوكه، فراعني تماوته.
قال: وخفت أن ينالني ما قال المنادي، قال: فجئت به إلى حداد فقلت له: ضع بيدي ويده قيدا وثيقا، قال: وقلت: والله لا نزال هكذا إلى بغداد، وخرجت من الكوفة أمشي ويمشي لا يتهيأ لنا الركوب من أجل القيد، حتى وافينا خانا فنمنا فيه على تعب.
قال: فما شعرت إلا بأسد فوق الغلام، قال: فأخذه يجره ويجرني معه بالقيد قال: فذكرت سكينا في خفي صغيرة، فأخرجتها فحززت يده فبقيت في القيد، ومضى به الأسد.
يقول : ثم رأيت الأسد يلغ في دمه، ويلتهم لحمه ثم ولى، وأقمت بمكاني حتى جاء الصبح وانتشر الناس، فنزلت فإذا رأس غلامي ملقى وإلى جنبه كيسي بحاله، فأخذته وانصرفت.