ليس معنى أنك تخطئ وتعتذر انك انسان ضعيف لا شخصية لك بل العكس تماما هو الصحيح، فالخطأ من طبع ابن آدم فإن ما يمحو أثر الخطأ هو الاعتذار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ".
وقد قيل: ماء الاعتراف يمحو دنس الاقتراف.
اعتذار الأنبياء:
ومن يتتبع سير الأنبياء والمرسلين يجد ثقافة الاعتذار لديهم واضحة فى موضعها فهذا نبي الله موسى عليه السلام حين صحب الخضر عليه السلام فنهاه الخضر عن سؤاله عن شيء حتى يحدثه به ويوقفه على حقيقة الأمر، فلما خالف نبي الله موسى عليه السلام الشرط اعتذر عن ذلك فقال: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}(الكهف: 73).
وهذا نبي الله نوح عليه السلام اعتذر لربه تعالى من سؤاله النجاة لولده الذي لم يكن مؤمنا: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}(هود: 47).
وهكذا كان الصالحون لا يتكبرون عن الاعتذار إذا بدر منهم ما يستدعيه.
الاعتذار من شيم الصالحين:
ومن ثم فإن الاعتذار من صفات الصالحين لأنهم لا يستكبرون عن الرجوع للحق فعن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه مغضبا، فاتّبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتّى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن عنده- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أمّا صاحبكم فقد غامر" - أي: خاصَمَ -، وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتّى سلّم وجلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقصّ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر. قال أبو الدّرداء: وغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم.
فهذا الصديق يعتذر عما بدر ولا تمنعه مكانته وسابقته من تقديم الاعتذار عند الحاجة.
الله يقبل الأعذار:
والله سبحانه لانه رحيم فهو يقبل عذر من أخطأ وانتي يحب أن يرحم عباده ويحب العذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِن أَجْلِ ذلكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَليسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِن أَجْلِ ذلكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، وَليسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، مِن أَجْلِ ذلكَ أَنْزَلَ الكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ".
وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "التّأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله (يعني لا يؤاخذ عبيده بما ارتكبوه حتى يعذر إليهم المرة بعد الأخرى)، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحمد.