كثير من الناس يسرح أحيانًا في (عرش الرحمن)، ويتساءل بقدر فهمه، كم بيننا وبين عرش الرحمن من وقت ومسافة، وهو أمر بالتأكيد لا يمكن للعلم الحديث الوصول إليه على الإطلاق، لكن هناك إجابة بالفعل لخصت هذه المسافة، إذ سُئل الإمام أحمد رحمه الله : كم بيننا وبين عرش الرحمن؟ فقال: (دعوة صادقة).

فالدعاء إن كان صادقًا يخترق السماء ويصل إلى السماء السابعة، ثم عرش الرحمن، فالله الذي يعلم الغيب وما أخفى، يستجيبه من فوره، خصوصًا إذا كان يخرج من قلب موقن في الله أيما يقين.

عن أنس بن مالك قال: «كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرماء يدعى أبا معلق وكان تاجراً يتجر بمال له ولغيره، وكان له نسك وورع، فخرج مرة فلقيه لص متقنع في السلاح، فقال: ضع متاعك فإني قاتلك، قال: شأنك بالمال. قال: لست أريد إلا دمك. قال: فذرني أصلي. قال: صل ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى، فكان من دعائه: (ياودود، ياذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزتك التي لا ترام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني) قالها ثلاثاً، فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذنى فرسه، فطعن اللص فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك. قال: إني ملك من أهل السماء الرابعة، لما دعوت سُمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً، فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألت الله أن يوليني قتله، ثم قال: أبشر، واعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب».

دعاء الكرب

استجابة الله لهذا الرجل إنما جاءت لأنه وثق في الله أيما ثقة، وأيقن في الله أيما يقين، إلا أن نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم علمنا دعاء الكرب، وهو دعاء يخترق السماء ويصل لعرش الرحمن من فوره، وهو أن يقول العبد: «لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم».

أيضًا ذكر (لا إله إلا الله) تصنع المعجزات، ولمّ لا والله عز وجل إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وما بين طرفت عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، فالله أقرب إلينا مما نتصور، وبكلمة صادقة تصل إلى عنان السمان في لحظات وأقل من لحظات، قال تعالى يؤكد ذلك: « وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ » (البقرة: 186).

أفضل أوقات الدعاء

مهما كنت، ارفع يدك إلى السماء واختار الأوقات المناسبة في جوف الليل أو عقب الصلاة المفروضة، أو يوم الجمعة فإن فيه ساعة إجابة، ومؤكد ستصل دعوتك إلى عنان السماء، ويستجيب لها الله من فوره، فهو القادر على ذلك سبحانه وتعالى.

هذا نبي الله يونس يدعو الله وهو في بطن الحوت فيجيبه من فوق سبع سموات، قال تعالى: «فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » (الأنبياء: 87)، فكانت الإجابة السريعة « فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ »، فسبحان من سمعه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار.

اقرأ أيضا: