يتميز شهر رمضان الكريم بالإكثار من عمل الخير، وإيثار المسلمين على أنفسهم، من خلال ما يتقربون به لله تعالى في هذه الايام بالمباركة بإطعام الطعام، والإكثار من الصدقات، والإحسان إلى الفقراء والمسلمين، فالإيثَار مِن محاسن الأخلاق الإسلاميَّة، وهو مرتبة عالية مِن مراتب البذل، ومنزلة عظيمة مِن منازل العطاء، لذا أثنى الله على أصحابه، ومدح المتحلِّين به، وبيَّن أنَّهم المفلحون في الدُّنْيا والآخرة، وكان الأنصار هم مضرب المثل في الإيثار بعدما استقبلوا المهاجرين، و نصروا النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
وهيأ الله سبحانه وتعالى لإسلام الأنصار ونصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه بخمس أسباب:
عداوتهم مع اليهود
كان اليهود من أشد أعداء الأوس والخزرج وكانوا يهددونهم بأنهم سيقتلونهم قتل عاد وإرم عندما يأتي نبي آخر الزمان الذي سيتبعونه!! فما إن اجتمع رسول اللَّه بنفرِ من الأوس والخزرج في مكة يدعوهم للإسلام حتى قال بعضهم لبعض: "يا قوم، تعلمون واللَّه إنه للنبي الذي تدعوكم به اليهود، فلا تسبقنكم إليه" فأعلنوا إسلامهم على التو واللحظة.
وكان اليهود من حكمة الله تعالى قد استوطنوا "يثرب" بالذات وما حولها من بلدات مثل "خيبر" و"تيماء"، وذلك أن اليهود كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان في تلك المنطقة لعلمهم بأنه سيهاجر إليها، والدليل في قصة سلمان الفارسي أن صاحب عمورية أوصاه بالهجرة إلى يثرب وإن لم يحددها بالاسم، وفي "الكتاب المقدس" ما يدل على معرفتهم التامة بمكان هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ورد ذلك في (سفر أشعياء) الإصحاح 21 ما يلي: " (وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين 13 هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه).. وتيماء تقع شمال المدينة، والمتمعن لهذا الإصحاح يرى فيه قصة الهجرة التي هاجر فيها المسلمون خوفًا من بطش قريش، وقيدار اسم من أجداد قريش.
اظهار أخبار متعلقة
يوم بُعاث
بعاث هو اسم لمعركة طاحنة وقعت بين الأوس والخزرج بمكيدة من يهود يثرب قبل الإِسلام بخمس سنوات فقط! قتل فيها أعظم زعمائهم وقادتهم الكبار، فأحس الأوس والخزرج أنهم بحاجةٍ إلى رجلٍ حكيمٍ يوحّد صفوفهم من جديد، فكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثابة المنقذ للأنصار.
الجذور اليمانية
الأوس والخزرج الذين أطلق عليهم النبي لقب "الأنصار" كانو في الأصل من سكان اليمن وهم أرق أفئدة وألين قلوبًا من باقي القبائل العربية، واليمنيون هم من رعاة الغنم، والعرب العدنانيون من قريش وغيرهم من رعاة الإبل، فالملاحظ أن رعى الغنم بالذات يحتاج إلى السكينة والهدوء والتأمل الطويل وهي مهنة الأنبياء: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي}.
مصعب بن عمير
أول سفير في الإِسلام، بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مع الأنصار لكي يعلمهم دينهم، ويدعو قومهم للإسلام، فكان رضي اللَّه عنه وأرضاه خير داعية لخير داع، ففي سنة واحدة فقط، هي جلُّ وقت المهمة الدعوية لمصعب، أسلم أكبر قادة الأنصار على يديه بأسلوبه اللين الرائع، ورقيه الأخلاقي المتميز.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاسعد بن معاذ
سعد بن معاذ هو سيد الأوس، والذي عندما أسلم على يدي مصعب بن عمير قام إلى قومه فجمعهم، وأخبرهم بأنه براءٌ منهم إن لم يسلموا في التو واللحظة، فأسلموا عن بكرة أبيهم حبًا له، وتصديقًا لرأيه، وقد استشهد سعد بن معاذ بعد الأحزاب نتيجة لخيانة "يهود بني قريظة" ولقد بكى عليه أبو بكر وعمر حتى سُمع بكاؤهما في شوارع مكة، وسعد هو الإنسان الذي اهتز لموته عرش الرحمن.
وبعد نصرة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم ظل الأنصار فقراء بعد الإِسلام! وعلى الرغم من كل ما قدموه للإسلام، فإن التاريخ لا يذكر أبدًا أنهم طلبوا منصبًا واحدًا في أي دولة من دول الإِسلام، فلم يعرف التاريخ الإِسلامي أن هناك أنصاريًّا تقلد منصب الخلافة، أو حتى الوزارة، على الرغم من أن المدينة عاصمة الخلافة الراشدة هي مدينتهم، وهم سكانها الأصليين، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي بل والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه كانوا يعيشون عندهم لديهم والتجأوا إلى الله بهم، ومع ذلك كان الأنصار لا يطمعون في مغنم ولا منصب، فمدحهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم : "اللهم اغفر للأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار".
في الغداة والعشي، فيا شباب الإِسلام، يا من تدعون حب محمد، انصروا أنصار محمد، كما نصروا هم محمدًا من قبل، فإن أنصارًا نصروه بأرواحهم، ليستحقون منا النصرة بألسنتنا وأقلامنا! {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.