يقول الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة 183)، والمعنى هنا كأن الله عز وجل يمنحنا ورشة عمل سنوية للتدريب علي ترك الحلال المباح من طعام وشراب وعلاقة زوجية، حتى يكون ترك الحرام في غير رمضان أسهل.. فالله عز وجل لم يقل إن الهدف من الصيام صحة البدن رغم أن الصيام له فوائد صحية للأصحاء لا تعد ولا تحصى، منها أن الصيام يعمل على تحسين المناعة ومقاومة الإنسولين وصيانة الجسد autophagy، والتخلص من الخلايا التالفة والشحوم والأملاح والسموم.
يسر لا عسر
أما من يتحدثون عن أن الصيام متعب، فهو أمر محال، لأنه بالأساس ممنوع عن المرضى ذوو الأمراض الحادة والمزمنة، وغير القادرين على الصيام، مصداقًا لقوله تعالى: « أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة 184).
وما ذلك إلا لأن الله عز وجل يريد بنا اليسر وليس العسر، إذ تختتم آيات رمضان بقوله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)، فالله يريد لنا الاستفادة ولكن بيسر، وليس لمن يصعب عليه الأمر.
اقرأ أيضا:
رمضان محطة مهمة للتزود بالوقود.. لا تحرم نفسك منهاشهر الزهد
رمضان شهر الزهد وليس شهر الإسراف، ولا علاقة له بالفروق ولا التصنيفات الاجتماعية، بالعكس فهو شهر المساواة، لأن الكل يصوم (الغني والفقير)، و(الشبعان والجوعان)، تأكيدًا لقوله تعالى: «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ» (طه 54)، ذلك أن الصيام يخاطب العقول وليس البطون، وبالتالي الحديث عن أن الصيام ليختبر صبر الغني عن الجوع، مجرد كلام ليس له أي صحة على الإطلاق، وإنما الصحيح هو أنه مدرسة لتعليم الأدب وحسن الخلق، والتدريب على كيفية مسك النفس عند الخطأ.
ولكي يحقق الصائم التقوى الحقيقية؛ ليحصل على ثمرة الصيام؛ فيجب عليه إذا صام أن تصوم كل جوارحه وحواسه؛ فيصوم سمعه عن التجسس على خلق الله، ويصوم بصره عن رؤية ما حرم الله، ويصوم لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب وقول الزور، وتصوم يداه عن البطش، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه».