بحكم قانون الدنيا، فإن أي فعل سيء يقابله عقوبة، لكن أحيانًا ما تجد من يقول لك، عليك بكذا حتى لا تقع عليك هذه العقوبة، كأن يمنع الأب معاقبة ابنه بأن يطلب منه أن يذاكر، وهكذا يتصور الابن أنه نجا من عقوبة لا يعلم مداها إلا الله، فإذا كانت هذه عقوبات الدنيا، فكيف بنا ننجو من عقوبات الآخرة إذا أخطأنا.. الحقيقة أن الله عز وجل وضع لنا العلاج الناجع، بأنه إذا أخطأ العبد فليتبع ذلك باستغفار نابع من قبله، صادقًا فيه أيما صدق، ومترجيًا فيه خالق عظيم جعل رحمته تسبق غضبه، فلاشك أنه سينال النجاة في الدنيا والآخرة، ذلك أنه من أعظم فضائل الاستغفار أن الله تعالى يغفر لمن استغفره من فوره، فقال تعالى: « وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا » (النساء: 110).
لا تمل
قد يقول قائل: ماذا عن من يكرر الخطأ، هل يعاود الاستغفار، والحقيقة أن الإجابة نعم، يعاود الاستغفار ولا يمل أبدًا، إذ يقول الحسن البصري رحمه الله: «لا تملُّوا من الاستغفارِ، وأكثِرُوا مِنه في بُيُوتِكم، وعَلَى موائِدِكم، وفي طُرُقِكم، وفي أسواقِكُم، فإنَّكم ما تدرُون متى تَنْزِلُ المغفرةُ»، فيما يقول لقمان الحكيم لابنه ذات يوم: «يا بُنيَّ؛ عوِّد لسانَكَ: اللهَمَّ اغفرْ لِي، فإنَّ للَّهِ ساعاتٍ لا يَردُّ فيهنَّ سائلًا».
وهذا سيدنا أبو هريرَة رضي الله عنه يقول: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»، وهذا عبدالله بن عمر رضي الله عنه يقول: « إنْ كنَّا لنعُدُّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الوَاحِدِ مائة مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ».
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعالحل لكل شيء
الاستغفار هو الحل لكل شيء مهما كان، فمن أراد الغنى فعليه بالاستغفار، إذ يروى أنه شكا رجل إلى الإمام الحسن البصري رحمه الله الجدب، فقال له: "استغفر الله"، وشكا رجل آخر الفقر، فقال له: "استغفر الله"، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: "استغفر الله"، فقالوا له في ذلك: أتاك رجالٌ يشكون، فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟! فقال: ما قلت من عندي شيئًا؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح عليه السلام: « فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا » (نوح: 10، 12).
فالاستغفار يكون سببًا بالإمداد بالأموال والبنين، كما قال تعالى: «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ» (نوح:12)، وأيضًا يكون سببًا في دخول الجنات، كما قال تعالى: «وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ» (نوح:12)، ومن فوائد الاستغفار أيضًا أنه يزيد من قوة الإنسان، كما قال تعالى: «وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ» (هود:52).