حالات الانتحار باتت في الآونة الأخيرة من أكثر الأخبار التي نستيقظ عليها كل صباح، حتى مع بعض من يتميزون بالعقل والفكر المستنير، إلا أنه ومع الضغوط النفسية، أصبح الكثير من الأشخاص يعمدون للتخلص من أنفسهم بأي طريقة بعد أن فقدوا الأمل في ما كانوا يريدون تحقيقه، أو نتيجة تكبدهم خسائر مالية، أو أصابهم اليأس من الفقر أو الحاجة، فيلجأ إلى التخلص من حياته بأي طريقة.
وكشفت دراسة في أبريل من العام الماضي، لوزارة الصحة المصرية، أُجريت على عينة من 10 آلاف و648 طالبا وطالبة، تراوحت أعمارهم بين 14 و17 عاما، أن 21.5% من طلاب المرحلة الثانوية (تعليم قبل الجامعي) في مصر يفكرون في الانتحار.
كما أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء رصد زيادة كبيرة بأعداد المنتحرين، وأنها قفزت من 1160 حالة في 2005 إلى نحو 5000 في 2015، فيما أكدت وزارة الداخلية أن معدلات الانتحار الموثقة رسميا لم تتجاوز حاجز 310 حالات سنويا.
الانتحار يقصد به أن الشخص يقدم على الانتحار وقتل نفسه، وهذه الحالة أكثر ما تكون وسط الرجال الذين بلغوا سن النضج، وذلك بسبب مشاكل نفسية أو اجتماعية أو زوجية أو بسبب أمراض مزمنة لا يرجى شفاؤها بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية، وغالبًا ما يخطط المنتحر لعملية الانتحار ويترك ورقة أو دليلاً يقدم فيه اعتذارًا لأهله أو أقاربه أو يسجل وصيته وما عليه من ديون وأي معلومات تفيد أنه انتحر.
وأكثر حالات الانتحار شيوعًا هي تعليق الجسم من العنق بحبل في نقطة مرتفعة ويسمى (الشنق) وهو أسهل وأسرع طريقة لقتل النفس، أما أشدها إيلاماً هو الإقدام على قتل المرء نفسه بذبح العنق بسكين ونشاهدها في المرضى النفسيين والتي قد يصاحبها محاولات انتحار عديدة.
ومن الأسباب الرئيسية هو الاكتئاب الشديد وهو أحد الأسباب الشائعة وراء الانتحار.. ففي الاكتئاب تسيطر على المكتئب النظرة السلبية إلى الحياة والذات والمستقبل وكل نواحي الحياة.. وعند اشتداد الاكتئاب قد يؤدي الشعور بالإحباط الشديد وفقدان الأمل إلى الإحساس بتساوي الحياة والموت فتظهر لديه الرغبة في الموت ومن ثم التفكير بالانتحار، بالإضافة إلى إدمان الكحول أو إدمان العقاقير قد يؤدي إلى الانتحار نتيجة الشعور بفقد الأمل من التخلص من الإدمان أو النتائج النفسية (وخصوصاً الاكتئاب) التي كثيراً ما تظهر لدى المدمنين، والبعض منهم قد يموت نتيجة الإفراط في الشرب (التسمم الكحولي) أو زيادة جرعة المخدر وقد يكون الموت هنا عرضياً لا انتحاراً ما لم يكن الموت بهذه الوسيلة مقصوداً، وتشير الدراسات العالمية أنه لوحظ أن معدلات الانتحار تزيد عند بعض الفئات:
فالعاطلون عن العمل أكثر عرضة من العاملين، والانتحار أكثر بين المطلقين والأرامل مقارنة بالمتزوجين، والانتحار أقل بين المتدينين مقارنة بالأقل تديناً، وهو أكثر في المجمعات المدنية عنه في المجتمعات القروية، ومع أن النساء أكثر في عدد محاولات الانتحار، إلا أن الرجال أكثر عدداً في الانتحار الفعلي.
اظهار أخبار متعلقة
ضعف الإيمان بالقضاء والقدر
وقتل النفس حرام ولا يجوز سواء قتل الإنسان نفسه، أو أمر أحد أن يقتله عن طريق ما يسمى بالقتل الرحيم.
كما أن قتل الإنسان لأخيه جرم كبيرة فكيف بقتل لنفسه والانتحار محرم بجميع صورة وألوانه وأشكاله ولا يجوز بدلالة الكتاب والسنة والإجماع وأن الأمة اجتمعت على ان الإنسان لا يحل له أن يقتل نفسه وأن حق الحياة مكفول للجميع.
هل يجوز تمنِّي الموت؟
أولاً: تمنِّي الموت عند حضور أسباب الشهادة، ومن أمثلة ذلك:
ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إنه في غزوة بدرٍ لما دنا المشركون، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قوموا إلى جَنَّة عرضها السموات والأرض))، فقال عمير بن الحُمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض؟! قال: ((نعم))، قال عمير: بخٍ.. بخٍ[1]، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يحملك على قولك: بخٍ.. بخٍ؟))، قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: ((فإنك من أهلها))، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتل حتى قُتِل".
وكذلك لما سأله عوف بن الحارث - ابن عفراء - فقال: "يا رسول الله، ما يُضحك الرَّبَّ من عبده؟ قال: ((غمسه يده في العدو حاسرًا))، فنزع درعًا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قُتِل"؛ (ابن الأثير في أُسد الغابة، وابن هشام في السيرة)، والنماذج كثيرة في الصحابة وفي غيرهم من السلف الصالح، حيث كانوا يتمنون الموت طلبًا للشهادة.
ومن الأمثلة على ذلك أيضًا: سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لما وقع بالشام؛ طلبًا للشهادة.
ثانيًا: تمنِّي الموت لمَن وثق بعمله شوقًا إلى لقاء الله - عز وجل -:
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله - في "فتح الباري"(10/133 - 134):
"عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يتمنين...)): إنه إذا حلَّ به - أي الموت - لا يمنع من تمنِّيه رضًا بلقاء الله، ولا من طلبه من الله لذلك وهو كذلك، ولهذه النكتة عقَّب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة: ((اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى))؛ إشارة إلى أن النهي مختص بالحالة التي قبل نزول الموت، فلله دره ما كان أكثر استحضاره وإيثاره للأخفى على الأجلى شحذًا للأذهان.
وقد خَفِي صنيعه هذا على مَن جعل حديث عائشة في الباب "باب تمني المريض الموت" معارضًا لأحاديث الباب، أو ناسخًا لها، وقوَّى ذلك بقول يوسف - عليه السلام -: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، قال ابن التين: "قيل: إن النهي منسوخ بقول يوسف... فذكره، وبقول سليمان: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، وبحديث عائشة في الباب، وبدعاء عمر بالموت وغيره.. قال: وليس الأمر كذلك؛ لأن هؤلاء إنما سألوا لما قارب الموت، قلت (أي الحافظ): وقد اختُلف في مراد يوسف - عليه السلام - فقال قتادة: لم يتمنَّ الموتَ أحدٌ إلا يوسف حين تكاملت عليه النعم، وجُمع له الشمل اشتاق إلى لقاء الله؛ (أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه)، وقال غيره: بل مراده: توفني مسلمًا عند حضور أجلي؛ كذا أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك بن مزاحم، وكذلك مراد سليمان - عليه السلام.
وعلى تقدير الحمل على قول قتادة، فهو ليس من شرعنا، وإنما يُؤخَذ بشرع مَن قبلنا ما لم يَرِدْ في شرعنا النهي عنه بالاتفاق، وقد استشكل الإذن في ذلك عند نزول الموت؛ لأن نزول الموت لا يتحقق، فكم من انتهى إلى غاية جَرَت العادة بموت مَن يصل إليها ثم عاش.
وقد دعا موسى - عليه السلام - ربَّه عند الموت أن يُدْنِيه من الأرض المقدسة، وكان عمر - رضي الله عنه - يتمنَّى أن يموت بالمدينة؛ فقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يدعو فيقول: "اللهم ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك".
إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن تمني الموت نتيجة اليأس والمرض أو الاكتئاب، لأنه يحرم المؤمن من خير الطاعة ، ولذة العبادة ، وفرصة التوبة ، واستدراك ما فات.
فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ , وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا ) رواه مسلم .
لعل هذا الذي طلب الموت ليستريح مما به من ضر ، لعله أن يزيد تعبه ، ويتصل ألمه وهو لا يدري ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَاتَتْ فُلَانَةُ ، وَاسْتَرَاحَتْ , فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ ) رواه أحمد.