شتان بين القصور وبين القبور، فحين تنظر إلى قصر هذا الملك أو هذا الرئيس أو ذلك الغني أو المليونير، قد تطيل النظر من عظمة البناء ورفاهية قطع الأثاث، وندرة التحف الموجودة وجمالها وارتفاع ثمنها، إلا أنك قد تندهش بعد موت صاحب هذا القصر، حينما تجدهم يحملوه إلى هذا القبر، بين ضيق اللحود، ومراتع الدود، وبين ظلمة ووحشة هذا المكان المقفر الضيق الذيب يهال فيه التراب على وجهك.

لتعرف أن هذا القصر ليسك قصرك، ولكنه مجرد بناء للتذكر بقوله تعالى، وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ۝ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ۝ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى .

فكل ما تبنيه من قصور وحدائق ذات بهجة هي ليست لك عشت طويلا أم قصيرا، ولكن ليس لك إلا ما سعيت له في الدنيا، من حلال أو حرام، فهو الجزاء الأوفى والجزاء الأبدي.

كيف تبني قصرك الحقيقي؟

والقصر الحقيقي هو القصر الذي تبنيه لك الملائكة في الجنة، ولبنات هذا القصر من عملك الصالح، أما إذا كان عملك غير صالح، فيتبدل هذا القصر إلى حفرة من حفر النيران، وقطعة من العذاب في القبر الذي ستدفن به، ولكن تبني قصرك في الجنة، عليك ان تلتمس أسباب العمل الصالح ولبنات هذا القصر، من خلال ما دلت عليه بركة آيات القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريف، وهي:

1- تقوى الله:

يقول الله -عز وجل-: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

فأفضل ما تبني به قصرك في الجنة، هو تقوى الله، وأن يكون اللهُ عز وجل هو حسبك وكافيك، وأن يجعل الله لك من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضِيق مخرجًا.

2- الاستغفار:

قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3].

 3- الدعاء:

الدعاءَ أقرب الأسباب لنيل ما عند المولى عز وجل من الخير، فعن أنس رضي الله عنه- قال: "مات ابنٌ لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدِّثوا أبا طلحة بابنه حتى أكونَ أنا أحدِّثه، قال: فجاء فقرَّبت إليه عَشاءً، فأكل وشرب، فقال: ثم تصنَّعتْ له أحسنَ ما كانت تصنَّعُ قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريَتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسبِ ابنَك، قال: فغضب وقال: تركتِني حتى تلطَّخت، ثم أخبرتِني بابني! فانطلق حتى أتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما كان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بارك اللهُ لكما في غابر ليلتكما)) قال: فحملتْ.

 4- تحري الرزق الحلال:

إذا كان المسلم ينشُد البركة في رزقه، وفي صحته، وفي ولده، فعليه بتحري الحلال في التكسب، والترفُّع عن كل ما لا يحل له من المال والمتاع، وعليه بالصِّدق والأمانة والعفة والصيانة، وألا ينغمسَ في الربا أو الغش أو ما شابه ذلك من المحرمات التي فيها أكلٌ لأموال الناس بالباطل؛ فإنه إن سار على منهج الله، فإن البركةَ ستحُلُّ في كسبه ورزقه وحياته كلها.

5- البر وحسن المعاملة:

عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحب أن يُبسطَ له في رزقه، ويُنسأَ له في أَثَره فليصِلْ رحِمَه)).