في كثير من الأحيان يتعمد بعض الناس إثارة الجدل، لشهوته في حب الظهور، وتولي زمام الأمور والقيادة، لطالما كانت سهلة، وميسورة، ويجني منها الخير، دون التزام بما عليه من حقوق وواجبات تجاه الآخرين.
بين حب الظهور وتحمل المسئولية
المسئولية عند بعض الناس أن يشار إليك بالبنان فقط، وأن يأتيك الخير حيث كان، وأينما كان، في حين يتنصل هؤلاء من واجباتهم، حين يطلب منهم بأن يتحملوا مسئولية قراراتهم وأعمالهم التي يكلفون بها، فتراهم عند أول اختبار حقيقي، يهربون من واقع مسئولياتهم، ويقذفون بها على غيرهم.
الإنسان جبل على حب الخير، والربح السهل والسريع، والشهرة، والالتزام بالحق لطالما صادف هواهم فقط، وكان يباع رخيصا على الأرصفة، في الوقت الذي يهربون من هذا الحق، إذا كان ثمنه غاليا، والوقوف وراءه يعني الالتزام بتحمل المسئولية، وأداء الأمانة التي استعرض الإنسان قوته في حملها زورا وكذبا.
ويعلمنا الإسلام كيف نكن جزءًا صالحًا مصلحًا في الأمة، ونفتش عن جراحاتها والعمل على علاجها ومداواتها بقدر الاستطاعة، فلا تعش لأهوائك، ولا تحيا لأنانية قاتلة، لن تفيدك شيئًا أمام الله سوى الحسرة والنّدامة.
فمن عاش لنفسه مات سريعًا ولو عاش بين الناس بجسده، ومن عاش لأمّته كُتبت له حياة فوق حياته ولو مات بجسده.
فالأنانية، والتنصل من حمل المسئولية وأداء الأمانة، لا تغنيك أو تنجيك أو تعطيك رزقًا ليس لك.
فقد ابتليت الأمة الإسلامية، بأشخاص انتسبوا إليها كذبا، بعدما فَقَدُوا الشعور بالمسئولية وكثُر بين أبنائها مَن ينزع إلى الأنانيّة في الوقت الذي لا يعرف فيه الإسلام غير تحمل المسئولية وأداء الأمانة، والعمل بشرف ورجولة، في المواقف الصعبة، وتحديد الاتجاه بشكل قاطع وحاسم بالوقوف مع الحق وعدم الانسلاخ عن الهوية والعقيدة والمجتمع الذي تحيا بين أهله.
فانظر إلى هذا الصحابي، وكان أعرابيًا، حينما ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال لرسول الله : أهاجر معك ؟ فأوصى النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه به ، فلما كانت غزوة خيبر أو حنين غنم رسول الله شيئا فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوه إليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قسمه لك رسول الله، فأخذه فجاءه فقال : يا محمد ، ما على هذا اتبعتك ، ولكني اتبعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت وأدخل الجنة ، فقال : " إن تصدق الله يصدقك " فلبثوا قليلا ، ثم دحضوا في قتال العدو ، فأتي به يحمل وقد أصابه سهم حيث أشار ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " أهو هو ؟ " قالوا : نعم قال : " صدق الله فصدقه " فكفنه النبي عليه الصلاة والسلام ثم قدمه فصلى عليه ، وكان مما ظهر من صلاته عليه : " اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا فأنا عليه شهيد " .
اقرأ أيضا:
حتى لا تكون مثارًا للشبهات.. موقف للنبي يعلمك الابتعاد عن الريبة والاستبراء للعرضمن صور المسئولية:
تدخل المسئولية في كل علاقة وجانب من جوانب حياتنا، فمسئوليةٌ عن النفس والوالدين والأبناء والزوج، والمجتمع، والعُصَاة، والمظلومين، والضعفاء، والمقدسات، ومسئولية الراعي عن رعيته في كل جانب وزاوية، حتى المسئولية عن الحيوانات.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
وانظر إلى مؤمن آل ياسين؛ الذي حركته أمانة المسئولية ليدعو قومه بالاستجابة للرّسل، ومؤمن آل فرعون، وهو المنعّم في القصور والسلطة، ليثبت الحق الذي جاء به النبي موسى عليه السلام، وموسى نفسه وشهامته ليسقي للفتاتين في مدين، وهو الفارّ بدينه من بطش الظالمين، والناصحين في قصة أصحاب السبت لينصحوا قومهم ممن يرتكبون الباطل ويتحايلون على أمر الله تعالى وقالوا لهم: هذا حرام!! رغم تثبيط السلبيين لهم، قائلين: (لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم) غير أنهم ردّوا بعزّة النفس: (معذرة إلى ربّكم)، حضور ونصرة النبي عليه الصلاة والسلام، لحلف الفضول في دار عبدالله بن جدعان والوقوف بجوار مظلوم لا يعرفه.
وفي المقابل انظر لتخلي الكثير من الناس عن مسئوليتهم الدينية والمجتمعية والإنسانية، مثل قوم موسى حين قالوا له: (اذهب أنت وربّك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون).
فيجب على كل مسلم أن يتحمل مسؤوليته للعمل لهذا الدين، فهذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس كما قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران:110].
فهذه الخيرية مرتبطة بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإيمانها بالله، واستمرار الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله هو عنوان خيريتها، فعندما كان المسلمون يعرفون مسئوليتهم سادوا الأمم وحكموا العالم.
وقد أقسم الله في كتابه الكريم على أن الناس جميعا في خسارة إلا من حقق أربع صفات مهمة فقال سبحانه : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر:1-3].
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد:11].