الكثير منا يشعر بانقباض النفس، ويتصور أنه يمر بظروف نفسية سيئة، بينما قد يكون الأمر مغايرًا لذلك تمامًا، وقد يكون شعورًا غير مرتبط على الإطلاق بأنك متشائم أو أن مزاجك سوداوي أو أن هناك أمرًا سيئًا وقع لك، فقد تكون حالة طبيعية فيها تجلي لصفات الله ( القابض الباسط ).
قال تعالى: «وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»، فالقبض يعني التضييق، والبسط يعني التوسيع، فالله تعالى بيده التضييق والتوسيع، ويعم ذلك كل شيء، الرزق والعلم والعمر والصدر، وكل ما يتعلق بالدنيا والآخرة، فلا تحزن إن شعرك بانقباض، وإنما أرجع الأمر كله لله، واحمده واصطبر، فإن الله يحب الحامدون الشاكرون على السراء والضراء.
الحكمة من القبض
لكن ما الحكمة من القبض؟.. علينا أن نعرف أن الشعور بقبضة النفس ينتج عنها مشاعر مهمة جدًا على رأسها القلق والخوف.. هذه المشاعر هي التي تعرفك على نفسك وعلى قدراتك وعلى طبيعة مخاوفك.. وعند أصحاب الفطرة السليمة ، تدفعك للجوء إلى الله والتعرف على صفاته حسب احتياجاتك (اللطيف .. الكريم .. العزيز .. السلام .. الرازق ).
وبمجرد استشعارك الحقيقي وارتواءك بأن الله هو مصدر العطاء وهو بعظمته مالك كل آليات البسط لأي نوع من أنواع القبض .. تستشعر معاني البسط، ومن ثمّ لن يطيل عليك الإحساس بالقبض .. وقد تظل غالبية الوقت في حالة قبض وبسط، أي في حالة قبض لكي تتعرف فيه على أسباب خوفك وعلى صفات الله، وبسط بأن تستمتع فيه بكل الذي شحنته من صفات الله عز وجل، قال تعالى: «مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (فاطر: 2).
اقرأ أيضا:
أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟أسباب القبض
أما لو استمر الشعور بالانقباض، فعليك أن تعرف ما هي الأسباب، فأسباب الانقباض أنك يتملكك الخوف من شيء ما، فضلاً عن أنك حينها تكون بعيدًا كل البعد عن طريق الله عز وجل، أو أنك في معاص مستمرة من دون تراجع لكن فطرتك السليمة تجعل نفسك مقبوضة من حالك.
إذن القبض في باطنه رحمة ونور وتيسير من الله عز وجل، إذ تتعرف وقتها على قدراتك وعلى نقاط ضعفك .. تتعرف على قدرة تحتاجها من قدرات الله تنقلك بيُسر من حالة القبض إلى البسط.
قال تعالى: «ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً »، إذن هو الذي يقبض القلوب ويضيق الصدور، حتى تصير حرجًا كأنما تصعد في السماء، كما قال تعالى: « فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ » (الأنعام: 125).