هل تعرضت لمشاحنة في إحدى المرات مع أحد الأشخاص المحيطين بك في العمل أو من بين الجيران، ونمت وأنت ممتلئ بالرغبة في الانتقام، من هذا الشخص؟، هل شعرت أنك وودت أن لو أصبحت وسمعت خبر وفاته، لمجرد أن اختلفتم مع بعضكما البعض في تبادل وجهات النظر؟، هل ترغب في الانتقام منه، وتمنيت أن لو كنت صاحب سلطة ونفوذ لكي تقوم بتعذيبه وتأديبه ردا على اختلافه معك، أو الإساءة إليك.
شعور إنسان يعتاد عليه البشر بمختلف انتماءاتهم، ومدى أخلاقهم، ومستوى تدينهم، وسلوكياتهم مع الناس، فقد يرغب الإنسان في الانتقام لأتفه الأسباب، فهو دائما يحب أن يخرج منتصرا من كل المعارك التي يخوضها في يومه، ولا يحب أن يشعر بالهزيمة، حتى ولو على سبيل المزاح.
وعلى الرغم من أن الإسلام أمر بحفظ كرامة الإنسان، ونهى عن قهره، والتعدي على خصوصياته وشخصيته، إلا أن بعض المشاحنات اليومية، قد تؤدي لانتشار الكراهية بين الناس، وتوغل صدر المسلم على أخيه المسلم لأتفه الأسباب، حتى ولو كانت بداعي المزاح، أو الاختلاف في وجهات النظر كما سبق ذكره.
وأمر الله عز وجل بأن يكون المسلم ونقي القلب، صافي الصدر، وألا يوغر صدره بالشحناء والبغضاء، وألا يستجيب لوساوس الشيطان، في الوقوع في فخ العداوة مع إخوانه، وما يَبعث بين الناس الفُرقةَ والعداوة؛ قال النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدوا، ولا تَدابَروا، ولا تَقاطَعوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أن يَهْجُرَ أخاه فوقَ ثلاث))؛ أخرجه مسلم.
ودعا القرآن الكريم، إلى التآلُف والمودة والتماسك؛ ولهذا امتنَّ الله على المؤمنين بهذه النِّعمة العظيمة، فقال: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران 103].
اظهار أخبار متعلقة
صحابي دخل بها الجنة
ومن أعلى الصفات التي تدخل أصحابها الجنة، هي صفة سلامة الصدر، وهي من الصفات التي قل من يتمسك بها، أو نجح في أن يكون من أهلها، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كنَّا جلوسًا مع الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يَطْلعُ عليكم الآنَ رَجُلٌ مِن أهل الجَنَّة))، فطَلع رجلٌ من الأنصار، تنطف لحيتُه من وضوئه، قد تعلَّق نعليه في يده الشِّمال، فلمَّا كان الغدُ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مثل ذلك، فطلع ذلك الرجُل، مثل المرة الأولى، فلمَّا كان اليومُ الثالث قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مثل مقالتِه أيضًا، فطلع ذلك الرجُل على مِثْل حاله الأولى، فلمَّا قام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَبِعه عبدُ الله بن عمرو بن العاص فقال: إنِّي لاحيتُ أبي، فأقسمتُ ألَّا أدخُلَ عليه ثلاثًا، فإن رأيتَ أن تؤويني إليك، حتى تمضيَ فعلتَ، فقال: نعم، قال أنس: وكان عبدُ الله يُحدِّث أنَّه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يرَه يقوم مِن اللَّيْل شيئًا، غير أنَّه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه ذَكَر الله - عز وجل - وكبَّر، حتى يقومَ لِصلاة الفجر، قال عبدُ الله: غير أنِّي لم أسمعْه يقول إلَّا خيرًا، فلمَّا مضَت الثلاثُ الليالي، وكدتُ أن أحتقرَ عملَه، قلتُ: يا عبدَ الله، إنِّي لم يكن بيني وبين أَبِي غضبٌ، ولا هَجْرٌ، ولكن سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول لك ثلاث مرار: ((يَطْلع عليكم الآنَ رَجُلٌ مِن أهل الجَنَّة))، فطلعتَ أنتَ المرارَ الثلاثَ، فأردتُ أنْ آويَ إليك؛ لأنظرَ ما عملك، فأقتديَ به، فلم أرَكَ تعمل كثيرَ عمَل، فما الذي بَلَغ بك ما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقال: ما هو إلَّا ما رأيتَ، غير أنِّي لا أَجِد في نفسي لأحد مِن المسلمين غِشًّا، ولا أَحْسُدُ أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إيَّاه، فقال عبدُ الله: هذه التي بلغَتْ بك وهي التي لا نُطيق"؛ أخرجه أحمد.
وقد أخبر اللهُ - تعالى - عن حال أهْل الجَنَّة، فقال: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ﴾ [لأعراف: 43].
وقال - سبحانه -: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾[الحجر: 47].
وخير من اتصف بسلامة الصدر، كان النبي صلى الله عليه وسلم، وورد ذلك فيما روتْه عائشة - رضي الله عنها - أنَّها قالت: يا رسول الله، هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ مِن أُحُد؟ فقال: ((لقد لقيتُ مِن قومِك ما لقيتُه، وكان أشدُّ ما لقيتُ منهم يومَ العقبة، إذ عَرَضْتُ نفسي على ابنِ عبد يَالِيل بن عبد كُلَال، فلم يُجبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفقْ إلَّا بقرن الثعالب، فرفعتُ رأسي، فإذا أنَا بسحابة قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إنَّ الله - عز وجل - قد سمع قولَ قومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك مَلَكَ الجبال؛ لِتأمُرَه بما شئتَ، إن شئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشبَين؟ فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بل أرجو أن يخرجَ مِن أصلابهم مَن يَعبُد اللهَ وحده، لا يُشرك به شيئًا)).
و ربَّى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - صحابتَه على سلامة الصدور مِن الحِقد والحسَد، فكانوا - رضي الله عنهم -، وانظر لحادثة الإفك بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع مِسْطح بن أُثَاثَة؛ إذ كان الصدِّيق يُنفِق على مسطح، فلمَّا كانت حادثةُ الإفك كان مسطح ممَّن خاضوا فيها، فأقسَم الصديقُ ألَّا يُنفقَ على مسطح، فأنزل الله قوله – تعالى -: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، فمَا كان من الصديق إلَّا أن أعادَ النفقة على مسطح.
كيف تتمتع بسلامة الصدر؟
الدعاء، أن يرزقك الله قلبا نقيا وصدرا سليما، فقد كان مِن دعاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وأسألك قلبًا سليمًا)).
حسِّن الظَّنَّ، واحمل الكلامَ على خير محملِه، يقول عمر - رضي الله عنه -: لا تظنَّ بكلمة خرجتْ مِن أخيك المؤمنِ شرًّا، وأنتَ تجد لها في الخير مَحْملًا.
الْتمِسِ العُذرَ لأخيك، قال ابن سيرين: إذا بَلغَك عن أخيك شيءٌ، فالْتمِسْ له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعْرِفه.
حُبُّ الخير للمسلمين .
ادفعْ بالتي هي أحسَن، وإيَّاك والغِيبةَ والنميمة.