صلح الحديبية هو أحد أهم الأحداث العظيمة في السيرة النبوية الشريفة، وقد كان نقطة تحول في الصراع والمواجهة بين المسلمين والمشركين، وهو صلح عقد في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة (مارس 628 م) بين المسلمين وبين قريش بمقتضاه عقدت هدنة بين الطرفين مدتها عشر سنوات.
في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة، أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يريد المسير إلى مكه لأداء العمرة، وأذّن في أصحابه بالرحيل إليها لأدائها وسار رسول اللهصلى الله عليه وسلم بألف وأربع مئة من المهاجرين والأنصار، ليس معهم من السلاح لأنهم يرغبون في السلام ولا يريدون قتال مع المشركين، ولبسوا ملابس الإحرام ليؤكدوا لقريش أنهم يريدون العمرة ولا يقصدون الحرب، وما حملوا من سيوف إنما كان للحماية مما قد يعترضهم في الطريق. وعندما وصلوا إلى (ذى الحليفة) أحرموا بالعمرة. فلما اقتربوا من مكه بلغهم أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن البيت الحرام.
فلما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى قريش وقال له: أخبرهم أنّا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً، وإدعهم إلى الإسلام، وأَمَرَه أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، وأن الله عز وجل مُظهر دينه بمكة. فانطلق عثمان، فأتى قريشاً، فقالوا: إلى أين ؟ فقال: بعثني رسول اللهصلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم: أنه لم يأت لقتال، وإنما جئنا عماراً. قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ إلى حاجتك .
ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل، فدعا إلى البيعه، فتبادروا إليه، وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا، وهذه هي بيعة الرضوان.
وأرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي إلى المسلمين فرجع إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر والنجاشي والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً. والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، ثم قال: وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
ثم أسرعت قريش في إرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح، فلما رآه النبيصلى الله عليه وسلم قال: قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح.
فلما اتفقا دعى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم
فقال سهيل: أما الرحمن، فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم
فقالصلى الله عليه وسلم: اكتب: باسمك اللهم
ثم قال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله
فقال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبد الله
فقال: إني رسول الله، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله
ثم تمت كتابة الصحيفة على الشروط التالية:
وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه, ومن أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه.
هدنة مدتها 10 سنين
أن يعود المسلمون ذلك العام على أن يدخلوا مكة معتمرين في العام المقبل.
عدم الاعتداءعلى أي قبيلة أو على بعض مهما كانت الأسباب
أن يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلما بدون إذن وليه, وألا ترد قريش من يعود إليها من المسلمين.
ودخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل بنو بكر في عهد قريش.
فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا، وما قام منهم رجل، حتى قالها ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام ولم يكلم أحداً منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً.
1- اعترفت قريش بالمسلمين اعتراف الندّ بالندّ، وفي ذلك دعاية للإسلام لا يستهان بها إن لم تكن ذات بال عند قريش فسوف يسمع بها العرب، وفي ذلك تمهيد لا تساع نفوذ الإسلام وسطوته.
2- إنّ هذه الهدنة ضمنت للمسلمين الانصراف إلى تبليغ دعوة الإسلام في كافة أنحاء الجزيرة وما يتاخمها من الدول والمدن، وهذا ما كان، فقد كاتب النبي صلى الله عليه وسلم الملوك والأمراء وبذلك انتشر الإسلام أضعاف انتشاره من قبل.
3- اعتراف المشركين بمجيء المسلمين معتمرين من العام القابل أكسب المسلمين الحق في زيارة البيت من غير مناجزة ولا حرب، وهذا ما كان يريده المسلمون.
4- كان أشد ما أحفظ بعض المسلمين من الصلح: أن من أتى المسلمين من قريش ردّ، ومن جاء قريشا من المسلمين لا يرد، وقد أثبت الواقع أنه لم يرتد مسلم، وبذلك أصبح هذا البند من الشرط غير ذي خطر، كما كان النبي يعلم بثاقب فكره، واستضاءة قلبه بنور الوحي وفيوضاته أن الفقرة الأولى من هذا الشرط ستجر على قريش متاعب كثيرة، قد تضطرها إلى التنازل عنه، بل والإلحاح في ذلك، وهذا ما صدّقته الحوادث بأسرع مما كان يظن.
اقرأ أيضا:
ماذا تعرف عن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين؟اقرأ أيضا:
حينما تأتيك المصائب فجأة وتشتد عليك الدنيا.. اقرأ هذه القصة