كثير من الناس يؤمن بنفسه أكثر مما يؤمن بالله والعياذ بالله، فيظن فيه نفسه دائمًا أنه أحسن الناس خلقًا، وهو أبعدهم عن الأخلاق، ويظن أنه أكرم الناس مالاً وأعدل الناس حكمًا، وهو لا علاقة له بالكرم أو العدل، فقد تراه عبوسًا متجهمًا فاحشًا متفحشًا، وهو لا يرى في نفسه ذلك.
وقد جعل الله تعالى حُسن الخُلق عبادة عظيمة، وخليقة كريمة، أثنَى بها على رسوله صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
وهناك دلالات على حسن الخلق، فحين تستعرض ما جاء في صفات الأنبياء والمؤمنين والصالحين، تجد أن الله عز وجل قد وصفهم بما كانوا يفعلون من الخير ويسارعون إليه ووصَف سبحانه عباده المتقين بقوله: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
وقال تعالى أيضا في صفات المحسنين﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134] الآيات إلى قوله: ﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 136].
فحسن الخلق ليس رتبة أو علاوة دنيوية، ولكنها قول وعمل وأفعال مع الناس ومع النفس ومع الله سبحانه وتعالى، فالتقوى، والسخاء، وكظْم الغيظ، والعفْو عن المُسِيء إذا ترجَّحت مصلحة العفْو عنه، والإحسان إليه، واجتناب الفواحش، والتوبة عن الذنوب، وحلُّ عقدة الإصرار، كل هذه مِن خصال أهل الخُلق العظيم، وجزاؤهم عند الله عليها المغفرة والجَنَّة.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا من حقوق العباد على الإنسان وحق االنفس على صاحبها وحق الله علينا جميعا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: " اتق الله حيثما كنت، وخالق الناس بخلق حسن واتبع السيئة الحسنة تمحها".
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الخُلق الحسَن أثقل شيء في ميزان العبد، وأنَّ أهْل الخُلق الحسَن أحبُّ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقربُهم منه منزلة يوم القيامة، وإنَّ الخُلق الحسَن مِن أكرَم العطايا.
وضمِن صلى الله عليه وسلم بيتًا في الجَنَّة لِمَن حسُن خلُقُه، وأقرَّ مَن قال: يا رسول الله، ذهَب حسْن الخُلق بخيرَيِ الدنيا والآخرة، فقال: ((أجل))؛ أي: الأمر كذلك؛ والمعنى: أن حسْن الخُلق جمَع لِصاحِبِه خيرَيِ الدنيا والآخرة.
اقرأ أيضا:
أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟5 صفات تؤشر على حسن أخلاقك
1/طلاقة وجهك عنه لقاء الناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرنَّ مِن المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)).
2/لسانك الطيب، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((والكلمة الطيِّبة صدقة))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا النارَ ولو بشق تمرة؛ فإن لم تجد فكلمة طيبة)).
3/كفُّ الأذى عن الخَلْق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تَدَعُ الناسَ مِن الشر؛ فإنها صدقة منك على نفسك))، وقوله: ((المسْلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده))، ((والمؤمن مَن أمِنَه الناسُ على دمائهم وأموالهم)).
4/الصبر على أذى الغير وكظم الغيظ؛ لقوله تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 96]، وقوله: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].
5/الإحسان إلى الناس مع إساءتهم.
قال تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].