الحظ.. كثير من الناس إن لم يكن جميعهم، يبحثون عنه دومًا، ويتمنون لو أن الحظ يطرق بابهم يومًا، وهم لا يعرفون أن الحظ بالفعل متاح لهم كل ليلة، لكنهم يغفلون عنه بالنوم، فالحظ كل الحظ في قيام الليل، ولكن لمن يعي ذلك جيدًا ويفهمه.
إذ أنه ينبغي للمسلم أن يجعل لنفسه حظًا من قيام الليل ويداوم عليه، وإن قل، فقيام الليل إنما هو دقائق الليل الغالية، ومدرسة المخلصين، وجنة الله في أرضه للمؤمنين.. قال تعالى يؤكد ذلك: « يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا » (المزمل: 1 - 2)، فمنه يَستمد الدعاة وقود دعوتهم، ومنه يستمد منه القائم سبيل قوته ونجاحه وتوفيقه، ومنه يحصل طالب المراد على ما يربو ويريد.
هنا المنافسة
ففي جوف الليل تكون المنافسة الحقيقية، «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ » (المطففين: 26)، وهؤلاء الذين هربوا من الدنيا وما فيها إلى الأمان والطمأنينة، لأنهم عرفوا أن هنا الخلاص فوقفوا بين يدي الله يرجون لقائه، ويتناجون بما يشتاقون إليه، لذلك كانت الجنة هي الوعد الذي وعدهم الله به، قال تعالى في سورة الذاريات، وغيرها من السور والآيات، مبينًا سبب دخولهم الجنات.
فقال عز شأنه : « إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » (الذاريات: 16 - 18)، فنالوا بذلك جنات وعيونًا، وما كل هذا إلا لأنهم باتوا لربهم سُجدًا يتضرعون، فالليل هو من سمات الصالحين، كما قال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «عليكم بقيام الليل؛ فإنه دَأْبُ الصالحين قبلكم، وقُربة إلى ربِّكم، ومكفرة للسيِّئات، ومَنهاةٌ عن الإثم»، فأصحاب الليل وصفهم الله بأحسن الأوصاف والسمات.
قال تعالى: « إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » (السجدة: 15 - 17).
اقرأ أيضا:
أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟الفوز الحقيقي
إذن من أراد الفوز الحقيقي بالدنيا والآخرة، أقام الليل، فلحظات بين يدي الله عز وجل تملأ القلب نورًا ليس كمثله نور، وطمأنينة ليس كمثلها طمأنينة، فصلاة الليل تعصم من الفتن مهما كانت، كما قالت أم سلمة رضي الله عنها: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلةً فزِعًا يقول: «سُبحان الله! ماذا أنزلَ الله من الخزائِن؟! وماذا أُنزِلَ من الفتن؟! من يُوقِظُ صواحِبَ الحُجُرات؟!». يُريدُ أزواجَه لكي يُصلِّين، «رُبَّ كاسِيةٍ في الدُّنيا عارِيَةٍ في الآخرة».
قال تعالى يصف قائمي الليل: « وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا » (الفرقان: 64 - 66).