تراهم في العمل أو المنزل أو الشارع، وأحيانًا في النادي والجيم، يتحدثون كأنهم (أهل العلم)، ويدعون الناس بأمور قد يصعب عليهم فعلها، أو يضعون البعض الآخر في موقف حرج، وحتى لو كان بعضهم بالفعل يدعو الناس بنية صادقة، وبكلام طيب، فقد علمنا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، أن لكل مقام مقال.
بل إنه عليه الصلاة والسلام كان سهلاً لا يثقل على الناس، يجالس الناس ويمازحهم أياما لا يعظهم فيها حتى لا يسأموا من كثرة المواعظ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يُحرج أحدا، إذا أراد أن ينبه على خطأ في جمع من الناس لم يذكر الفاعل باسمه بل يقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا».
مخافة السآمة
نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخشى أن يسأم أصحابه من كثرة الحديث في المواعظ والتوجيهات الدينية، فكان يختار الوقت والمكان المناسبين لذلك، وكان إذا اعتذر له أحد قَبِل عذره وتغافل عنه حتى لو لم يكن عذرا حقيقيا، وإذا أراد معاتبة أحد ابتسم له ابتسامة المُغضب فخفف عنه وطأة الكلام، وكان عليه الصلاة والسلام أيضًا يخفف عن الناس في الصلاة ولا يطيل في خطبة الجمعة، وكان لا يطيل على أحد في زيارة أو مجلس، بل يمر مرورًا كريمًا ويتخفف.
وكان صلى الله عليه وسلم أيضًا طيب الكلام سهل المراس لين الحديث، لا يعير أحدًا أو يحدثه بما يكره.. ففي حديث أبي وائل شقيق بن سلمة رحمه الله، قال: كان ابن مسعود يذكرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: «أمَا إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا».
اقرأ أيضا:
أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟الملل من كلام الله
قد يقول قائل، وهل يمل أحدهم من كلام الله إلا المنافقين؟.. بالتأكيد هو كذلك.. ولكن ليس الأمر بالملل من كلام الله، وإنما الخوف والخشية المتواصلين، والإسلام دين المحبة وليس الخوف، نعم الله هو القاهر فوق عباده، ويعذب من يشاء كما ذكر في قرآنه الكريم: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ»، إلا أنه أيضًا هو الرحيم الغفور، الذي يغفر لمن يشاء وقتما شاء: «وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (المائدة 40).
أيضًا وهو فيما يخص زماننا هذا، في الخطيب بشر، وقد لا يتحمل هو نفسه كثرة هذه المواعظ، فلما يراه الناس وقد ضيع بعضها، سخروا منه، أو قللوا من شأنه، وهو أمر غير مطلوب في الإسلام، فضلا عن أن الموعظة الحقيقية تأتي من الداخل، من قلب الإنسان، فعن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن».