لاشك أن واقعة (الإفك) التي نالت من عِرض أطهر النساء وأشرفهن، السيدة عائشة رضي الله عنها، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت الأصعب حينها، إذ أن الأمر كان جللاً، فكيف يتحدث بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في عِرض زوجته؟.
ومع ذلك ترى البعض قد راجع نفسه، وندم على ما سمع أو صدق، أو بما حدثته نفسه، حتى أنزل الله عز وجل قرآنا يتلى حتى قيام الساعة يبرأها مما قيل فيها، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ».
لكن في زماننا هذا يزداد الإفك (الافتراء على الناس بالكذب)، ويستمر البعض في الدفاع عنه وكأنه حقيقة ثابتة.
القصاص من الظالم
فإياك والافتراء على الناس، لأن الوقوع فيه أمر جلل، وكبيرة، قد لا تنجو منه أمام الله عز وجل، لأنه قد يسامح في أمور فرضها عليك، بينما لا يسامح في شكاوى البشر وظلمهم، فاحذر لأن الوقوف بين يدي الله عز وجل كبير، وسيقتص منك لصالح من ظلمته أو افتريت عليه لا محالة، يقول الله عز وجل يحذرنا من ذلك: « وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا » (الأحزاب: 58).
والافتراء هو (اختراع قضية لا أصل لها)، فترى البعض يلقي تهمه على الناس بالباطل، ويسير بين الناس بذلك، فيصبح كما يقول أهل السابق (يكذب الكذبة ويصدقها)، فتصبح علامة معه أينما ذهب، وإذا استرجعته وقلت له (اتق الله) أخذته العزة بالإثم، وهذا كما قال الله عز وجل فيه: «وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» (البقرة 206).
اقرأ أيضا:
أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟افتراء الكذب
أيضًا ترى الافتراء هذه الأيام ينتشر كالنار كالهشيم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثمّ لا أحد يستطيع إيقافه، فينتقل من منطقة لأخرى، ومن بلد لآخر، وهكذا، حتى يظن (المفتري) أنه بالفعل صادق، ويصدق ما وقع منه، لكن المظلوم يلجأ إلى من لا ملجأ منه إلا إليه، فيرفع يديه إلى السماء، ويشتكي إلى ربه الظلم الواقع عليه، وهنا تكن الطامة، إذ أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فإذا أمهله الله فليعلم هذا الظالم الذي يرمي الناس بالباطل، ويربي أولاده على ذلك، أن الله له بالمرصاد.
وحتى لو لم يقتص منه في الدنيا، فإن عذاب جهنم أشد وأبقى، قال عز وجل: « إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ » (النور: 15)، ومن ثمّ إياك عزيزي المسلم أن ترمي بريئًا بما ليس فيه، وراجع نفسك من فورك، واحذر لأن عقاب الله أذل وأخزى، فقد قال تبارك اسمه: « وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا » (النساء: 112).