تزايدت حالات الانتحار في زماننا، وهو أمر لم يكن موجودًا من قبل بهذه الكثرة والانتشار، ما جعل العديد من الناس يتساءلون هل بالفعل للانتحار أسبابه المنطقية، حتى يقدم المرء على الانتحار دون تفكير؟.
والحقيقة أن الانتحار وإن كانت دوافعه نفسية بالمقام الأول، إلا أن النفس القريبة من الله عز وجل لا يمكن أن يصيبها عطب، فتيأس من رحمة الله، فتكون النتيجة الانتحار، ذلك أنه لا يمكن أن ييأس من روح الله إلا القوم الظالمين.
قال تعالى: «يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» (سورة يوسف آية:٨٧).
خسارة الجنة
على أي إنسان يفكر في الانتحار، أن يتذكر أولا أمرين، الأول: أنه طالما كان الله عز وجل موجودًا فكيف به ييأس من رحمته، والثاني، أنه سيخسر دنياه وآخرته لاشك، إذ يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في حديثه النبوي الشريف: «كان فيمن كان قبلكم، رجل جُرح جرحًا، فجزع، فأخذ سكينًا فحزّ بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، فقال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه؛ أشهدكم أني حرّمت عليه الجنة»، وجزع هنا أي لم يصبر على ألم الجرح، فحز بها يده أي قطع بها يده، فما رقأ الدم أي لم ينقطع الدم إلا بعد موته.. وبادرني عبدي بنفسه إنما هي كناية عن استعجال الموت.
وبالتالي، فالانتحار ليس حلاً صحيحًا ولا منطقيًا بالمرة مهما كانت دوافعه وأسبابه النفسية، وليس حلاً نهائيًا، لأنه من يريد الحل من الله سيجده لاشك، فلا تعرضوا أنفسكم لسخط الله وغضبه.
اقرأ أيضا:
أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟وهم الهروب
يتصور البعض أن الانتحار الحل الوحيد للهروب من الواقع الأليم، إلا أنه ليس هروبًا، وإنما يأسًا من رحمات الله، والله لا يدعنا لذلك البتة، كما أن الانتحار من عظائم الذنوب وكبائرها التي من ارتكبها فقد استحق الخلود في نار جهنم، كما قال تعالى: « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» (النساء:30).
ومن ثمّ فإن التفكير في الانتحار بقصد التخلص من مشاكل الحياة، وابتلاءاتها هو تفكير من لا يؤمن بالله تعالى، ولا يؤمن بقضائه وقدره سبحانه، ولا يرضى بذلك، ولا يصدق بلقائه وجزائه، أما من كان مؤمناً بالله تعالى مؤمناً بقضائه وقدره ولقائه موقناً بوعده ووعيده، فلا شك أنه سيرضى بما قدر الله، ويسلم، ويحمد الله تعالى في السراء والضراء.
عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له».