بينما يكثر الحديث مؤخرًا عن الانتحار، وهناك من يقول أن دوافعه زادت، ومن ثمّ، كأنها (مبررات للانتحار)، والحقيقة أن ما لا يعلمه كثير من الناس أنه مهما كانت دوافع الانتحار فإن حفظ النفس من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، وبالتالي فإن قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر.
وقد كان النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، حريصًا على زجر المسلم عن قتل نفسه مهما كانت الدوافع والمبررات والظروف الصعبة التي يمر بها، ذلك أن في الانتحار اعتراض على قضاء الله وقدره، إذ أنه لا يحدث شيء في أرض الله إلا بإذن الله، فكيف بنا نعلم ذلك يقينًا، ثم نتخذ طريقًا وكأنه ولعياذ بالله اعتراض على ما قدره الله عز وجل لنا؟.. فمن كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يكن أن يُقبل على هذا الأمر أبدًا ليقينه أن ما عند الله خير وأعظم.
تحذير شديد
لذلك أمام هذا الخطر الكبير، فقد حذر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم -تحذيرًا شديدًا- لمن يقدم على مثل هذا الفعل مهما كانت الدوافع، إذ يروي سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه عنِ النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تردى من جبل»، أي: وقع من فوقه متعمدًا فمات، فهوفي نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدً أبدًا، حزاءً لعمله، «وَمَن تَحسَّى» أيْ، تجرع أو شرب «سُمًّا فَقتَلَ نَفسَه» أيْ، تعمد ذلك، فسمه في يده يتعاطاه ويتجرعه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، «ومَنْ قَتلَ نَفسَه بحَديدَةٍ» أيْ، طعن نفسه بسلاح أو غيرِه، فحديدته في يده يطعن بها في بطنه في نارِ جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.
وقوله: «خالِدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا» محمول على من فعل ذلك مستحلا له مع علمه بالتحريم، أو على أنه يعني طول المدة والإقامة التي يخلد فيها قاتل نفسه إن أنفذ عليه الوعيد، ولا يعني خلود الدوام، إذ قتل النفس -دون استحلال لذلك- هو ذنب وكبيرة من الكبائر، وليس كُفرًا مخرجًا من الملة.
وفي الحديث: الوعيد الشديد لمن قتل نفسه، وفيه، أن نفس العبد ليست ملكًا له، فليس له أن يتصرف فيها بغيرِ إذن مالكها سبحانه وتعالى.
اقرأ أيضا:
أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟أعظم الذنوب
ولعظم هذا الفعل الشنيع، فقد دلت النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن الانتحار من أعظم الذنوب عند الله، قال تعالى: « وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا » (الفرقان: 68-69)، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: « وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا » (النساء: 29).
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ»، وفي الصحيحين من حديث ثابت بن الضحاك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».