من أبرز علامات الحب، إلا يمل أحدهم من سؤالك ومطالبك منه، بل أنه كلما طلبت، كلما منحك وأعطاك، بل ولم يمنّ عليك يومًا بما أعطاك، مهما كان فضل هذه الأعطية والمنحة، ومما لاشك فيه أن هذه الصفات قد تنطبق على بعض الآباء مع أبناءهم، لكن بدون أدنى شك تنطبق كليًا على رب العالمين، الذي لا يمل من سؤال العباد، بل يحب سماع أصواتهم وهي تنادي في جوف الليل (يارب)، ومن ثمّ فإن أي تسأل مهما تسأل، لا يمل من سماع طلبك، فالله لا يمل من الطلبات.
فقد روى البخاري ومسلم واللفظ له عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ : امْرَأَةٌ لَا تَنَامُ ، تُصَلِّي . قَالَ : «عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
تكرار السؤال
فترى أي إنسان لو طلب أحد منه شيئًا واحدًا ، لكن كرر سائله عليه الطلب أكثر من مرة ، سيمل من التكرار حتى وإن لم يكن فيه تكلفة، حتى في المدائح ، الناس تحب سماع المدائح ، وإذا أكثرت في المدائح عليهم يملون، إلا أن الله لا يمل لو تتكلم معه كل لحظة.. فهذا هو الحب أنك لا تمل من سماع كلام الحبيب، فإنه سبحانه يسوق كل خير، ويكشف كل ضر.
وقد أخبر عن نفسه أنه يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وأن رحمته قريب من المحسنين، فعندما تستحكم حلقات المحن، وتشتد الكروب، وتتتابع الشدائد والخطوب، فليس أمام المسلم إلاَّ أن يلجأ إلى الله تعالى، ويلوذ بجنابه، ويضرع إليه راجيًا تحقيق وعده الذي وعد به عباده المؤمنين في قوله المبين: « وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ » (البقرة: ١٨٦).
اقرأ أيضا:
أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟ذكر ودعاء
فيا حظ من جعل حياته كلها ذكرًا ودعاءً لله عز وجل، ولقد كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه الكرام رضوان الله عليهم، على أن تكون حياتهم كلها ذكرًا لله تعالى، وتضرعًا إليه، وذلا له واستكانة بين يديه، خصوصًا عندما تنزل المحن وتشتد الخطوب، وتعظم الرزايا وتتوالى الكروب، فعليكم بالدعاء، لازموه ولا تعجزوا عنه، فإنه لا يهلك به أحد: « قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا » (الفرقان: ٧٧).
وليعلم كل مسلم أن المصيبة كل المصيبة أن يُحال بين المرء وبين الدعاء عندما تنزل به المصيبة أو يشتد به الكرب، فلا يضرع إلى الله ويلح بالطلب بأن يدفع المصيبة ويكشف الضر: « وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » (الأنعام: ٤٢، ٤٣).