عزيزي المسلم، عليك أن تعلم يقينًا أن الإيمان بالغيب إنما هو مبدأ المؤمن الذي وثق في ربه، وبدونه يقع عنه فضل عظيم، وربما يقع عنه أهم ما يميزه كمؤمن موحد بالله سبحانه وتعالى، قال تعالى يصف هؤلاء: «الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» (البقرة 3).

والإيمان هو التصديق الجازم بلا ترد، وحتى تدخل دائرة الإيمان لابد أن تدخل دائرة التصديق، تصدق بما جاء في القرآن الكريم وبما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا سترى أن (يؤمنون) فعل مضارع يفيد الحال والاستقبال، والفعل المضارع أي ضارع الاسم والاسم فيه صفة الدوام فكأن المعنى أي تلبس بالحال في الحاضر ودلالة على ما سيحدث في المستقبل، فيؤمنون كانوا مؤمنين ومازالوا مؤمنين وسيكونوا دومًا مؤمنين.

كل أركان الإيمان

الإيمان بالغيب يدخل فيه جميع أركان الإيمان، لأن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.. هذا كله إيمان بالغيب، كما وضحه ورواه الإمام البخاري في صحيحه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث»، وعن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر»، إذن على المسلم أن يؤمن بكل ما الغيبيات مهما كانت، وألا يترك نفسه للشيطان يلعب بعقله، ذلك أن الإيمان بالغيب إنما هو في حد ذاته يقين في الله القادر على كل شيء.

اقرأ أيضا:

أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟

اليقين في الله

أساس الإيمان بالغيب يبدأ باليقين في لقاء الله عز وجل، لأن من أنكر الغيب مع ظهور الأدلة العديدة على وجوده سبحانه، فذلك دليل على فساد قلبه، واختلال عقله، ولن تنفعه مشاهدة الغيب شيئًا لو شاهده، وقد أخبر الله تعالى عن استكبار هذه الفئة من الناس، فقال سبحانه: « وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا المَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا » (الفرقان: 21)، وأخبر سبحانه عنهم بأنهم لو رأوا الغيب مشاهدًا أمامهم لما آمنوا « وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ » (الأنعام: 111).

بل أن أفضل خلق خلقه الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وله عند الله تعالى منزلة عظيمة، ومع ذلك فإنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية»، والله تعالى يقول: « قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ » (النمل: 65).