عزيزي المسلم، يا من تعرض يومًا للإساءة، إياك أن تفكر في الانتقام يومًا، واعلم يقينًا أن الانتقام إنما هي نار لا تحرق سوى من أمسك بها، أي صاحبها، وفي ذلك يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: «ما انتقم أحد قط لنفسه إلا أورثه ذلك ذلا يجده في نفسه، فإذا عفا أعزه الله تعالى»، وقال أيضًا: (وقد يُهجر الرَّجل عقوبةً وتعزيرًا، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله، للرَّحمة والإحسان، لا للتَّشفِّي والانتِقَام)>
وهو ما أكده النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، في قوله الشريف: «ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا»، فيما قال معاوية لابنه -وقد رآه ضرب غلامًا له-: «إيَّاك -يا بُنيَّ- والتَّشفِّي ممَّن لا يمتنع منك، فوالله لقد حالت القُدْرة بين أبيك وبين ذوي تِرَاته، ولهذا قيل: القُدْرة تُذْهِب الحفيظة».
شرف العفو
العفو شرف ما بعده شرف، بينما في الانتقام نقص ليس دونه نقص، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيِّم رحمه الله: (وفي الصَّفح والعفو والحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة، والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها ورفعتها عن تشفِّيها بالانتِقَام ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام).
ويروى عن عنان بن خريم أنه دخل على المنصور، وقد قدم بين يديه جماعة -كانوا قد خرجوا عليه- ليقتلهم، فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه، ومَن شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه لم يجب شُكره، ولم يَحُسن في العالمين ذِكْرُه، وإنَّك إن انتقمت فقد انتصفت، وإذا عفوت فقد تفضَّلت، على أنَّ إقالتك عِثَار عباد الله موجبة لإقالته عَثْرتك، وعفوك عنهم موصولٌ بعفوه عنك، فقَبِل قوله، وعفا عنهم.
اقرأ أيضا:
الفتور بعد مواسم الطاعات ..داء يصيب كثيرين وهذا علاجهالقصاص
قد يقول قائل، إن الله عز وجل أحل وأباح القصاص، قال تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (البقرة: 194)، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» ( النحل: 126)، ولكن ينسى هؤلاء أن الله أيضًا عز وجل جعل العفو من شيمه، بل وجعل جزائه عنده، قال تعالى: « وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» ( الشورى: 40).
ولكن إن توهم الشخص أنه إذا عفا سوف يعيش بدون كرامة خطأ ووسوسة من الشيطان ليبعده عن فضيلة العفو، فالعفو سبب في العزة والكرامة.. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله».