في مواسم الطاعات تكون الهمة عالية والعزيمة قوية والإقبال على العبادة شديد ، ولكن هناك حالةٌ تصيبُ كثيرينَ منّا بعد مواسمِ الطاعاتِ فبَعدَ الهمةِ العاليةِ والإقبالِ على الله يبدأ بضعفٍ وقصورٍ، الفتورُ عن الطاعة لم يسلم منه حتى بعضُ الصالحين.. بل هو مدخلٌ من مداخلِ الشيطانِ إليهم، بل إن نَفَس الشيطانِ فيه طويلٌ، وكيدَه في الإصابةِ به متنوع، حتى يقتنعَ صاحبُه أنه فيه على حق، وأنه كان على خطأ أو تطرف. و هذا الداءُ قد يَتقَمَّصُ في نفس المصاب به شخصيةً أخرى، وهي الكآبةُ أحيانًا أو الحيرةُ، أو الخوفُ، أو الانطواءُ أو نحو ذلك.. وما ذاك إلا لأن العبد الصالح المداوم على الطاعة غرضٌ كم تمنى الشيطان أن يصيبَه بسهمه المسموم؟!!، ليرديه قتيلَ الضعفِ الممقوت، والانتكاسةِ المهينة.
ولكن ما أهونَ هذا الشيطان وما أقلَّ حيلته وما أضعفَ كيده إذا واجهه المؤمن بسلاحِ الإيمان فراجع أسبابَ ضعفَ إيمانه، ونظرَ في عللَ فتورِه وتقصيرِه، واتخذَّ من أسبابِ الثبات على دينه ما ينصرُه على الشيطان في هذا الصراع العنيف.
فمن فقهِ العبد كما قال أبو الدرداء: أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم: أيزداد هو أم ينتقِص؟ فضعف الإيمان في القلب من أخطر أسباب الفتور: لأنه وَرَدَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: القلبُ مَلِكُ الأعضاء، والجوارحُ جنودُه ورعاياه، فإن طابَ الملك طابت الجنودُ والرعايا، وإن خَبُثَ الملك خبثت الجنودُ والرعايا. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر – أي العلم – وفي أوقات الخلوة.
د.الهوشان يكشف عن الفتور الذي يصيب البعض ايضًا بعد العشر الأوائل في شهر رمضان من كل عام فيقول: وإذا كان الفتور عن صلاة القيام والفجر في المسجد جماعة مما يمكن ملاحظته وإدراكه وقياسه , فإن ما خفي من مظاهر الفتور كــ تلاوة كتاب الله والأذكار وأعمال البر والخير الأخرى .... أعظم , فمن كان يقرأ في بداية الشهر جزئين أو ثلاثة كل يوم , لا يكاد يقرأ في أواخر العشر الأوسط بضعة صفحات , ومن كان لسانه لا يفتر عن ذكر الله في أول موسم الخير لا نراه يثابر على ذلك الذكر قبيل العشر الأخير .. وهكذا في بقية أعمال البر و وجوه الخير كلها .
ويضيف: وإذا كان الفتور ظاهرة تحتاج إلى علاج خلال أيام العام العادية , فإن الحاجة إلى علاج هذه الظاهرة في مواسم الخير و أيام الله أشد , نظرا للخير العظيم الذي قد يفوت المسلم في تلك الأيام إن تسلل الفتور إلى نفسه أو تسربت بواعث الكسل إلى قلبه , أو تمكن التقاعس عن الطاعة من أعضائه، بحسب "المسلم" .
1- تفقد الإيمان ومراقبة القلب
فينبغي على المسلم أن يتفقد إيمانه وأن يراقب قلبه لأن الإيمان يزيد وينقص، والقلب يتقلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لَقَلْبُ ابن آدمَ أشدُّ انقلابًا مِنْ القِدْرِ إذا استجمعتْ غليانًا ".وقال:" إنَّما سُمِّيَ القلبَ من تَقَلُّبِه ، إِنَّما مَثلُ القلبِ مَثَلُ رِيشَةٍ بالفلاةِ ، تَعَلَّقَتْ في أصْلِ شجرةٍ ، يُقَلِّبُها الرّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ ". ولأجل ذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : "يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قُلتُ لأمِّ سلمةَ: يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرَ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : "يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ" . فتلا معاذٌ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}.
فاللهم {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران:8).
وكان عمر يقول لأصحابه : (هلموا نزدد إيمانًا ، فيذكرون الله )، وكان ابن مسعود يقول في دعائه : (اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقها)، وكان معاذ بن جبل يقول للرجل : ( اجلس بنا نؤمن ساعة ).
2- استحضار ما أعده الله تعالى للمتقين في الجنة
العبد مفطور على طلب الجائزة على المعروف والتعلق بالشكر، فكلما كان ذاكرا لثواب العمل مستحضرا ما يلقاه من جزاء حسن اندفع إلى الطاعات، فإذا غفل عن هذا أو نسي ، فتر عن العبادة ، وتكاسل عنها؛ وقد هيأ الله ذلك لعباده إلى حدٍ لا تتصوره أذهانهم ، ولا يخطر على بالهم: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ.نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}(فصلت:30-32).وقال تعالى: { هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ(49)جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ(50)مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ(51)وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ(52)هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ(53)إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} (سورة ص).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ }".(رواه البخاري).
آخر من يدخل الجنة
إذا كان آخر من يدخل الجنة يقال له:"أيرضيك أن أعطيك الدنيا و مثلها معها ؟"، فكيف بمن هو فوق ذلك!!.
إذا أردت أن تتفكر في هذا فاقرأ واستمع وعش في ظلال هذا الحديث: "سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، ما أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قالَ: هو رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ ما أُدْخِلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فيُقالُ له: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فيَقولُ: أيْ رَبِّ، كيفَ وقدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنازِلَهُمْ، وأَخَذُوا أخَذاتِهِمْ، فيُقالُ له: أتَرْضَى أنْ يَكونَ لكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِن مُلُوكِ الدُّنْيا؟ فيَقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فيَقولُ: لكَ ذلكَ، ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ، فقالَ في الخامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فيَقولُ: هذا لكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ، ولَكَ ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، ولَذَّتْ عَيْنُكَ، فيَقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قالَ: رَبِّ، فأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرامَتَهُمْ بيَدِي، وخَتَمْتُ عليها، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، ولَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، ولَمْ يَخْطُرْ علَى قَلْبِ بَشَرٍ، قالَ: ومِصْداقُهُ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهمْ مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ}".(السجدة: 17)َ. فاللهم ارزقنا الجنة بغير حساب ولا عذاب.
3- الصحبة الطيبة
من أهم الأسباب التي يعالج بها الفتور وتدفع بها الغفلة مصاحبة الصالحين الأخيار، وقد دل على هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً". وقوله: "الرجل على دِين خليله، فلينظرْ أحدُكم مَن يخالل".
ومن ثمرات الصحبة الصالحة: الإعانة على الطاعات، والبُعد عن المعاصي والذُّنوب؛ قال تعالى: { وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (سورة العصر).
وقال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.(التوبة:71).
فمن جالَسَ الصالحين تشمله بركةُ مُجالستهم، ويعمُّه الخيرُ الحاصل لهم، وإن لم يكن عمله بالغًا مبلغَهم؛ كما دلَّ على ذلك ما أخرجه الشيخان مِن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لله ملائكةً يطوفون في الطرُق، يلتمسون أهل الذِّكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله، تنادوا: هلموا إلى حاجتكم"، وفي آخر الحديث: "فيقول الله: فأشهدكم أني قد غفرتُ لهم، قال: يقول ملك منَ الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجُلساء لا يشقى بهم جليسُهم".
يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لولا ثلاثٌ ما أحببتُ العيش في هذه الحياة الدنيا: ظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات من الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايبَ الكلام، كما يُنتقَى أطايب الثمر".، بحسب |إسلام ويب".
اقرأ أيضا:
تقرأ "رب العالمين" في صلاتك.. لكن هل تدرك معناها؟اقرأ أيضا:
احذر أن تكون خائنًا وأنت لا تعلم.. هذه أشهر صور الخيانة