يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» (النور 26)، وهناك من يربط بين (الطيبون للطيبات والخبيثين للخبيثات) بالزواج، فيقولون: إن الإنسان لا يجتمع بامرأة طيبة إلا ما دام كان طيبًا، والعكس صحيح، وهو أمر غير صحيح.
والآية ليس لها علاقة إطلاقًا بهذا الأمر، فقد تزوج سيدنا نوح عليه السلام بامرأة غير مؤمنة، وتزوجت آسية المؤمنة بفرعون الذي ادعى الألوهية، والنماذج كثيرة في ذلك، إنما مقصد الآية الكريمة، أن الأفعال والكلمات الطيبة تعني أنها لا تخرج إلا من فم طيب، وأن الأفعال والكلمات الخبيثة تعني أنها لا تخرج إلا من الخبيث السئ.
الطيب من القول
فالآية تؤكد على ضرورة الطيب من القول، لأنه لا يأتي إلا بطيب أيضًا، فالطيبات من القول للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول، وهي نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان، ويقال: الخبيثات للخبيثين: الأعمال الخبيثة تكون للخبيثين: والطيبات من الأعمال تكون للطيبين.
وعن ابن أبي نجيح، في قول الله: ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) قال: الطيبات: القول الطيب، يخرج من الكافر والمؤمن فهو للمؤمن، والخبيثات: القول الخبيث يخرج من المؤمن والكافر فهو للكافر ( أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ) وذلك أنه برأ كليهما مما ليس بحقّ من الكلام.
اقرأ أيضا:
الفتور بعد مواسم الطاعات ..داء يصيب كثيرين وهذا علاجهالهداية الحقيقية
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ » (الحج: 24)، وكأن الهداية الأعظم والأهم والأكبر في أن يهدي الله عز وجل عبده إلى أن يقول الكلمة الطيبة، فحين تأمر بمعروف تنتقى أطايب الكلام، وحين تنهى عن منكر، تبتعد عن الفحش، وحين تدعو إلى الله، فبالحكمة والموعظة الحسنة، وحين تجادل فبالتي هي أحسن، وحين تحاط الكلمة بسياج العقل، وتحد بإطار الشرع، تفعل أفعال السحر: فتهز القلوب وتلامس المشاعر، وتنفذ إلى العقل والوجدان.
لذلك فقد حرص الإسلام على تهذيب الألسن أن تحيد عن مسارها الصحيح، فتجرح أو تُؤذي، وأمر بإلانة القول حتى مع أعتى الخلق وأطغاهم: « اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى » (طه: 43، 44)، والكلمة الطيبة لاشك تقرع القلوب والأسماع، فإذا بالعدو اللدود يتحول إلى حميم وودود، فلا نعلم دينًا اعتنى بأناقة الكلمة وبهاء اللفظ كهذا الدين، قال تعالى: « وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (الإسراء: 53).