حسن الظن بالله؛ من أعظم العبادات القلبيَّة الواجبة، ويُقصد بحسن الظن بالله -تعالى-: "أن يظن العبدُ بالله خيرا ورحمة وإحساناً في معاملته ومكافأته ومجازاته أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة" فيظنُّ العبد أنَّ الله -تعالى- سوف يرزقه ويرحمه ويوسّع عليه في دنياه ويرحمه في آخرته. ويُقابل حسن الظَّن بالله -تعالى- الظنُّ المحرَّم؛ ويكون حين يظن العبدُ أنَّ الله -تعالى- ما خلقه إلَّا ليعذبه في الدُّنيا، ويضيِّق عليه رزقه، ويبتليه بشتَّى أنواع الابتلاءات.
وقد ساق العديد من الفقهاء عددا من الأدلَّة على أهميَّة حسن الظن بالله، ومنها ما يأتي: قال -تعالى-: "وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ"،بل وقد فقد يكون سوء الظنِّ بالله من علامات النِّفاق.
وفي هذا السياق قال -تعالى-: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ". قال -تعالى-: "يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ"
ومن المهم هنا الإشارة إلي أن سوء الظن بالله تعالي كان من أخلاق الجاهليَّة سوء -. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسنُ الظنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ"، فالمسلم يحسن الظنَّ بالله وبما عرف من أسمائه وصفاته"
لحسن الظن بالله كما يؤكد جمهور العلماء أهمية كبيرة حيث أنه بوابة الإيمان بأسماء وصفات الله الحُسنى منَ المعروف أنّ الله تعالى لهُ 99 اسماً وصفها لنا، وأيّ شكّ في صفة من صفات الله يوقع الإنسان بسوء الظّنّ، فقد قال ابن القيّم -رحمهُ الله-: "وأكثرُ النّاس يظنّون بالله ظنّ السّوء فيما يختصّ بِهم، وفيما يفعلهُ بغيرهِم، ولا يسلم من ذلك إلّا من عرفَ الله وأسماءهُ وصفاته، وعرفَ موجبَ حكمته وحَمده".
ومن فوئد حسن الظن بالله أنه طريقك لاجتناب المنكرات انطلاقا من أن المؤمن ليس مَعصوماً عنَ الخطأ، لكنّهُ مُحاسب إذا لم يتب عنهُا، وبالتّالي على المؤمن الحقيقيّ أن يتوبَ إلى الله بعد ارتكابهِ لكلّ معصية، وهو يوقِن ويؤمِن بأنّ الله سَيغفر لهُ ما تقدّمَ من ذنبه وما تأخّر، وأيضاً عندَ الابتعاد عن المُنكرات مثل شرب الخمر والزّنا والرّبا وغيرها من المنكرات، يجب أن يوقن بأنّ الله سيجازيه خيراً على ما يصبر عليه من المَعاصي.
ومن فوائد وفضائل حسن الظن بالله بأنه باب من أبواب معرفة كرمِ الله تعالى على المؤمن الذي عليه بأن يوقن بأنّ خزائنَ السّماوات والأرض بيد الله تعالى، وأنّ العطاء لا يُنقص ما عندَ الله شيئاً، وأنّ امتناع الله لعبدهِ ليس بخلاً منهُ، وإنّما لحكمَة قد وضعها الله لخيرِ العبد، فالإيمانُ بهذا الكرم وشكرِ الله على النّعم الموجودة والرّضى بما آتاه الله مَنها هو حسنِ الظنّ بالله، وقد قال الله تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ"
ولا يغيب عن فضائل حسن الظن بالله انها تدفع العبد المؤمن للإقبالِ على الطّاعات فحسنُ الظّنّ بالّله يكرس الاخلاص في عبادة الله وطاعته، فعلى سبيلِ المثال إنسان يُصلّي جميع الصّلوات يوقن بأنّ الله سيجازيه على طاعاتهِ، وأنّ الله لا يضيّعَ أجرَ المحسنين.
وفي هذا السياق قال رسول الله فيما يرويه عن رب العزة : "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى" "رواه البخاري ومسلم" فإن أحسنت الظن فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب لك على حسن ظنك، وإن أساءت فلا تلومن إلا نفسك.
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه : " وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الظَّنَّ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ظَنُّهُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ فِي يَدِه"ِ
اقرأ أيضا:
آية قرآنية تكشف لك سر قوتك وتهون عليك كابوس الموتوحسن الظن بالله يستلزم الثقة بما في يد الله سبحانه وتعالى، ويستلزم حسن التوكل عليه، والله سبحانه وتعالى يحب المتوكلين عليه، ويستلزم التسليم والرضا بقضائه وقدره في أنفسنا، ويستلزم الالتجاء إليه بالدعاء والدعاء هو العبادة.
وفي المقابل فإن إحسان الظن بالله يقابله القنوط من ثواب الله وموعوده، وقد قيل : قتل القنوط صاحبه, ففي حسن الظن بالله راحة القلوب.
وكذلك قال ابن حجر : "وإنما كان اليأس من رحمة الله من الكبائر لأنه يستلزم تكذيب النصوص القطعية . ثم هذا اليأس قد ينضم إليه حالة هي أشد منه , وهي التصميم على عدم وقوع الرحمة له , وهذا هو القنوط, بحسب ما دل عليه سياق الآية : " وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ " وتارة ينضم إليه أنه مع اعتقاده عدم وقوع الرحمة له يرى أنه سيشدد عذابه كالكفار. وهذا هو المراد بسوء الظن بالله تعالى"..
من ثم يجب على المؤمن أن يحسن الظن بالله تعالى, وأكثر ما يجب أن يكون إحسانا للظن بالله عند نزول المصائب وعند الموت, قال الحطاب : ندب للمحتضر تحسين الظن بالله تعالى, وتحسين الظن بالله وإن كان يتأكد عند الموت وفي المرض , إلا أنه ينبغي للمكلف أن يكون دائما حسن الظن بالله , ففي صحيح مسلم : «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله"