يقول المولى عز وجل في بدايات سورة البقرة: «الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)»، ولو نظرنا إلى الآيات الكريمة السابقة، سنجد أن من اتسم بهذه الصفات المذكورة، نال الدرجة العليا، وهي درجة (أولئك على هدى من ربهم).
أي أولئك الذين تحققوا بالصفات السابق ذكرها على هدى من ربهم، وعلى هنا أفادت التمكن وأفادت الفوقية وعلو المكانة من ربهم، ولهم بالتأكيد المنة لله تعالى ابتداءً وانتهاءً، فقد جاءهم الهدى من الله ولله، وقيل هم المؤمنين بالغيب، والمؤمنين بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى من قبله من الرسل.
درجة الفلاح
إذن للوصول إلى درجة الفلاح أن تنال الهدى من الله، عليك أولاً أن تؤمن بالغيب وما أنزل على قلب نبيك الأكرم صلى الله عليه وسلم، بقين واتباع وتطبيق، إذ يجب عليك أن تلتزم بالصلاة والصيام والحج إن استطعت، فضلا عن مكارم الأخلاق، لأن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وجملة القول أن الإيمان بما أنزل إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، هو الإيمان بالدين الإسلامي جملة وتفصيلا ، فما علم من ذلك بالضرورة ولم يخالف فيه مخالف يعتد به ، فلا يسع أحدًا جهله، فالإيمان به إيمان ، والإسلام لله به إسلام ، وإنكاره خروج من الإسلام.
قال تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ» (محمد 2).
اظهار أخبار متعلقة
من المتقين
كل ذلك يؤدي إلى نتيجة واحدة، وهي أنه من كان من المتقين لله رب العالمين، في كل أعماله وتصرفاته، نال درجة (أولئك على هدى من ربهم)، أي على هداية من ربهم.. هداية علم وبيان بكتابه الذي هو هدى للمتقين، وهداية توفيق، كما قال تعالى: « وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (الحج: 54) أي دليلهم ومرشدهم ومنير قلوبهم بالإيمان والعلم النافع، وموفقهم للعمل الصالح، كما قال تعالى: « نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » (النور: 35).
وقال أيضًا سبحانه وتعالى: « وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ » (النور: 40)، وقد جاء في التعبير بـ«على» الدالة على الاستعلاء، لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى مرتفع به، ونكر «هدى» للتعظيم، أي هدى عظيم.