وقد تنوعت صور الرحمة في تعاملاته صلى الله عليه وسلم ومن ألطف مواقف لرحمة في حياته رحمته بالأطفال الصغار فقد بكى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لدى موت طفله الصغير إبراهيم، حتى تعجب عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ من ذلك، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: (دخلنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أبي سيْفٍ القَيْنِ، وكان ظِئْرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ إبراهيمَ فقبَّلَهُ وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يَجُودُ بنفسه، فجعلتْ عَيْنَا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: وأنتَ يا رسول الله؟، فقال: يا ابنَ عوف، إنَّها رحمة) رواه البخاري .

ومن صور رحمته بالأطفال الرفق بهم والتلطف معهم وتقبيلهم رحمة وشفقة؛ فعن عائشة ـ رضي الله عنه ـ قالت: (جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: تُقَبِّلونَ الصِّبيان؟، فما نُقَبِّلُهم، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أوَ أملِكُ لك أن نزَعَ اللهُ من قلبِك الرحمة) رواه البخاري.

بل إنه صلى الله عليه وسلم  أنكر على من لم يقبل أولاده واعتبره منزوع الرحمة فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: (أن الأقرع بن حابس ـ رضي الله عنه ـ أبصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يَرحم لا يُرْحم) رواه الترمذي.

وبرغم انشغال النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة فإنه كان لا يجد حرجا في ملاطفة الأطفال والسؤال عن اهتماماتهم ومن هذا سؤاله عن طائر صغير لأحد الأطفال؛ فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: (كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير - أحسبه قال: كان فطيما -، قال: فكان إذا جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير -طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به) رواه مسلم.

ولم يقتصر رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال بما يخص أمورهم وأمور الدنيا بصفة عامة بل إنه كان يخفف في صلاته ويتجوز فيها وقد أراد الإطالة رحمة بالأطفال الصغار وكان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذا دخل في الصلاة وهو ينوي الإطالة، يقصر ويخفف فيها إن سمع بكاء الطفل الصغير، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إنِّي لأدخُلُ في الصلاة، وأنا أُريدُ إِطالتها، فأسمع بكاء الصبيّ فأتجوَّزُ في صلاتي، ممَّا أعلمُ من شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ من بكائه ) رواه البخاري.

قال المناوي في فيض القدير: " لأنَّ الرحمة تتخطى إلى الإحسان إلى الغير، وكل من رحمته رقَّ قلبك له فأحسنتَ إليه، ومن لم يعط حظه من الرحمة غلظ قلبه وصار فظًّا، لا يرقُّ لأحد ولا لنفسه، فالشديد يشدُّ على نفسه ويعسر ويضيق، فهو من نفسه في تعب، والخلق منه في نصب، مكدوح الروح، مظلم الصدر، عابس الوجه، منكر الطلعة، ذاهبًا بنفسه، تيهًا وعظمةً، سمين الكلام، عظيم النفاق، قليل الذكر لله وللدار الآخرة، فهو أهل لأن يسخط عليه، ويغاضبه ليعاقبه " .

يؤيد هذا ما جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي ) رواه الترمذي وحسنه الألباني .