كيف تفرق بين الإنسان الطيب والخبيث؟.. سلوكيات تكشف لك صاحبك
لا تتوقف ظاهرة التنمر على عنصرية أحدنا تجاه الأخر، واستعلائه على الغير، ولكن تتمدد هذه الظاهرة في سلوكيات أخرى أكثر حدة وأكثر تعقيدا في العلاقات الاجتماعية بين الناس سواء كان في العمل أو في البيت، أو بين الأقارب والأصدقاء، وتعد ظاهرة التصيد والتربص من أخطر مفرادت ظاهرة التنمر إن صح التعبير.
فبعض الناس أصبح يقف على كل كلمة لأخيه ويتصيد الخطأ منه سواء كان مقصودا أو غير مقصود، وسواء كان في موقف يتغلب عليه المزاح أم كان جادا، فربما تنطق بالكلمة لا تقصد منها أي شر أو احتمال للإساءة، ويأخذها أخوك على محمل الإساءة له ويفسرها تفسيرات غريبة ماكان يجول بخاطرك أنها تعطي هذه المعاني الشيطانية التي فسرها بها.
وفي بعض الأوقات ربما تجد صاحبك يتذكر لك بعض المواقف التي حدثت بينكما من عشرات السنين، وربما منذ الطفولة، ليقيم عليك الحجة بأنك أسأت إليه في سالف علاقتكما، الأمر الذي يضع علامات استفهام عديدة حول سلوكيات أصحاب القلوب السوداء كما يطلق عليهم البعض، والتي لا تساعد إلا على الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق والفرقة بين المسلمين.
وهذه من السلوكيات التي يبغضها الإسلام وحذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها تفتن الناس في علاقتهم ببعضهم بعضا، وتثير بينهم الكراهية، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟التسامح والتغافل
لذلك حسن الخلق والتسامح والتغافل عن عيوب الغير أثقلَ شيءٍ في ميزانِ العبد يوم القيامة، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُق".
والتغافلَ هو ما يترفَّعُ به المرءُ عن ذكر عيوبِ غيره وتصيد أخطائه والمحاسبةِ على الأخطاءِ، لذلك فالمتغافل يُبْدي إزاءَها تجاهلًا وإغضاءً؛ فلا يحقِّقُ فيها، ولا يدقِّقُ، ولا يستقصي، بل يجعلُها بتغافلِه معدومةً كأنْ لم توجدْ، أو قليلةً لا تستحقُ الاهتمامَ؛ فلا يقف على كلمة او عبارة ويجعل منها قضية، فهو خلُقٌ كريمٌ جامعٌ بين أمهاتِ المحاسنِ، من الفطنةِ، والحِلْمِ، والرفقِ، والعفوِ، والحكمةِ.
وقد ضرب يوسف عليه السلام في قصته مع إخوتِه رغم ظلمِهم له، وتجنِّيهم عليه، المثل في التغافل والتسامح، فحين لم يكتفوا بتغييبِه عن وجهِ أبيه بإلقائه في غيابةِ الجُبِّ، وحرمانِه منه، بل كالوا له إفكَ تهمةِ السرقةِ في قولِهم: { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ...} [يوسف: 77]، فما كان من خُلُقِه الكريم إلا أن تغافل عنهم وتسامح أمام قسوة قلوبهم.
وكان النبي سيد الكرام في حسن الخلق فكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق التي ضرب فيها أروع الأمثلة في التسامح، يقول أنسُ بنُ مالكٍ –رضي اللهُ عنه-: " خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: لا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟ " (رواه مسلم)، وحين عاتب إحدى زوجاتِه لإفشائِها سرَّه ما استقصى في عتابِه، بل {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم: 3].
صفات المؤمنين
وامتدح الله عباده المؤمنين بقولِه: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]، وقولِه: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، قال الغزاليُّ: " ستر الْعُيوب وَالتَّجَاهُلُ والتغافلُ عنها شيمةُ أهلِ الدِّينِ ".
قال أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ: " مَنْ شَدَّدَ نَفَّرَ، وَمَنْ تَرَاخَى تَأَلَّفَ، وَالشَّرَفُ والسرورُ فِي التَّغَافُل ".
وقال جعفرُ الصادقُ: " عَظِّموا أقدارَكم بالتغافلِ ".
وقال ابنُ القيمِ: " وأما مروءةُ الترْكِ: فترْكُ الخصامِ، والمعاتبةِ، والمطالبةِ، والمماراةِ، والإغضاءُ عن عيبِ ما يأخذه من حقِّك، وتركُ الاستقصاءِ في طلبِه، والتغافلُ عن عثراتِ الناسِ، وإشعارُهم أنك لا تعلمُ لأحدٍ منهم عَثْرةً ".
و قال الأعمشُ: " التغافلُ يُطفئ شرًا كثيرًا ". وقال المهلَّبُ بن أبي صفرةِ لولدِه: " إذا سمعَ أحدُكم العَوْراءَ ( أي: الكلمةَ القبيحةَ )؛ فليتطأطأْ لها؛ تخْطِه ". وقال ابنُ القيمِ: " إذا خرجتْ مِن عدوِّك لفظة سفهٍ؛ فلا تُلْحِقْها بمثلِها؛ تلْقِحّها، ونسلُ الخصامِ نسلٌ مذمومٌ ".
ويقول الشاعر:
ولا تَسألنْ عما عَهِدتَّ وغَضَّ عنْ *** عَوَارٍ إذا لمْ يَذمُمِ الشرعُ تَرْشُدِ