تعدهجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة من أهم الأحداث في التاريخالإسلامي لما احتوته على دروس وعبر وبها تغير وجه الحياة الدعوية للنبي وانطلقتالدعوة إلى آفاق أرحب وأوسع.
ذكاء النبي في طريق الهجرة:
ولقدظهر دهاؤه صلى الله عليه وسلم وذكاؤه في اختيار طريق الهجرة فلم يرتض السهل بل سلكطريقا غير متوقع للمدينة حتى يشتت الاذهان ويخالف المعهود فيعجزهم طلبه والبحث عنه، ولهذا خالف النبي صلى الله عليه وسلم بحنكته كل توقعاتهم ولم يذهب للمدينة بالطريق المعروف بل ذهب إلى جهةالجنوب حتى بلغ جبلاً وعراً يُقال له جبل ثور ، يوجد في أعلاه غار يصعب الوصول إليه، ويمكنهم المكوث فيه إلى أن يهدأ الطلب .
قريش تبحث عن رسول الله:
وكثفتقريش جهودها للبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل إنها أغرت الكثيرين بهدايا والعطايا لمن يعسرعلى الرسول.
وزادطلبهم وتقفوا الأثر الذي قادهم لغار ثورٍ،بل وصعدوا إلى باب الغار ، وهنا أصبح الخطروشيكاً ، حتى إنهم تكلموا أمام الغاروسمعهم الرسول وصاحبه وهنا قال أبو بكر : "يا رسول الله ، لو أن أحدهم نظر إلىقدميه لأبصرنا " ، فأجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إجابة الواثق المطمئنّ بموعود الله : ( يا أبا بكر ، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما ؟ ) ،وصدق ظنّه بربه ، فإن قريشاً استبعدت وجود النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا المكان ، و انصرفت تجرّ أذيال الخيبة.
مكوث النبي في الغار:
ومندهائه وذكائه صلى الله عليه وسلم أنه لم يواصل السي إلى المدينة بل ظل في الغارحتى يقل الطلب عنه وييأس الناس من البحث عنه ولهذا أقام النبي - صلى الله عليه وسلم- في الغار ثلاث ليالٍ ، وكان عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما يأتي كل يوم ليبلغهماأخبار قريش، وعامر بن فهيرة يأتي بالأغنام ليشربا من لبنها، ويخفي آثار عبدالله بنأبي بكر، حتى جاء عبدالله بن أريقط في الموعد المنتظر، ومعه رواحل السفر.
خوف أبي بكر على النبي:
ومنالمواقف الرائعة والتي تبين حب أبي بكر للرسول صلى الله عليه وسلم أنه في أثناءالسير كان يمشي مرة أمام النبي - صلى اللهعليه وسلم، ومرّة خلفه ، ومرّة عن يمينه ، ومرّة عن يساره، خوفاً عليه من قريش، حتىتوسّطت الشمس كبد السماء ، فنزلوا عند صخرةٍ عظيمةٍ واستظلّوا بظلّها، وبسط أبو بكررضي الله عنه المكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسوّاه بيده لينام، وبينما هم كذلكإذ أقبل غلام يسوق غنمه قاصداً تلك الصخرة ، فلما اقترب قال له أبوبكر رضي الله عنه: لمن أنت يا غلام ؟ ، فقال : لرجل من أهل مكة ، فقال له : أفي غنمك لبن ؟ ، فقال: نعم ، فحلب للنبي - صلى الله عليه وسلم -في إناء ، فشرب منه حتى ارتوى .
خيمة أم معبد:
ومنالمواقف الجميلة أيضا أنه وفي أثناء طريقهم إلى المدينة نزل الرسول - صلى الله عليهوسلم -وصاحبه بخيمة أم معبد ، فسألاها إن كانعندها شيء من طعامٍ ونحوه ، فاعتذرت بعدم وجود شيء سوى شاة هزيلة لا تدرّ اللبن ، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم -الشاة فمسح ضرعها بيده ودعا الله أن يبارك فيها، ثم حلب في إناء ، وشرب منه الجميع ، وكانت هذه المعجزة سبباً في إسلامها هي وزوجها.
وماأجمل مواقف الهجرة الرائعة وما أعظم فائدتها .