أرى يومياً كثيراً من الحالات النفسية المستعصية، والتى يشترك فى أسبابها عوامل كثيرة ومتعددة منها العوامل الوراثية والسمات الشخصية للفرد نفسه، ومنها العوامل البيئية المختلفة، ومن أهمها طريقة التربية وعلاقة الآباء والأمهات بأبنائهم.
هذه الرسالة من مريضة نفسية وموجهة للآباء والأمهات بالأساس، ولكن قبل أن أبدأ كلامها لهم أود أن أهمس في أذن كل كل من يرى أهله مسؤولين عن معاناته وألمه ومرضه، أشعر بألمكم ولكن إلى متى؟ إن كانوا هم قد أخطأوا في حقكم، فنفوسكم أغلى من أن تستمروا في ظلمها؛ الآن الكرة في ملعبكم، والمسؤولية مسؤوليتكم فتحملوا مسؤوليتكم بشجاعة، واطلبوا العلاج لأنكم تستحقون الحياة، أنتم لستم مسؤولين عن الماضي، ولكنكم مسؤولون عن الحاضر والمستقبل، ويمكنكم إذا تحليتم بالشجاعة أن تغيروا واقعكم.
والآن لنبدأ في الرسالة الموجهه للآباء والأمهات، والتي تأتي على لسان إحدى مريضاتي فى آخر جلسة علاج نفسي، هذه المريضة الشجاعة تخيلت أن والدها ووالدتها جالسان أمامها، ووجهت إليهما الكلمات التالية:
"لماذا أنجبتموني؟
لماذا تنجبون وأنتم لا تستطيعون التعبير عن مشاعركم، ستكون النتيجة أطفالًا قساة، جافين، جامدي القلوب.
لماذا تنجبون وأنتم لا تستطيعون حضن أولادكم، وأنتم ترون أن حضن الأب لابنته عيب، أو حرام، أو شيء يدعو للخجل، ستبحث هذه البنت عن هذا الحضن طوال حياتها عند أي رجل.
لماذا تنجبون وأنتم تتصورون أن أولادكم ملكًا لكم، أو امتدادًا لكم، أو مشاريع استثمارية لحياتكم، أنتم بهذا تدفنونهم وهم أحياء.
لماذا تنجبون وأنتم لا تستطيعون التحكم فى أعصابكم وانفعالاتكم وردود أفعالكم، ستجعلون نفوس أولادكم هشة ضعيفة قابلة للكسر فى أي لحظة.
لا تنجبوا لمجرد رغبتكم وأنانيتكم فى أن يكون لديكم أطفالًا كبقية الناس، ثم تفكرون ماذا تفعلون بهم، سيكرهون بذلك أنفسهم ويكرهون يوم مولدهم.
لا تنجبوا لمجرد أن الإنجاب هو النتيجة الطبيعية للزواج والجنس، ثم ترون ماذا أنتم فاعلون، ستخذلون أولادكم، ويخذلونكم.
لا تنجبوا والعقد النفسية تملأكم بدون حل أو علاج، سيدفع أولادكم الثمن من حياتهم ومن عمرهم.
لا تنجبوا إذا كنتم لا تقبلون الضعف، وتعذرون التقصير، وتقدرون المحنة التى وراء الفشل، وتسامحون على الأخطاء.
لا تنجبوا وأنتم سليطي اللسان، لديكم أياد باطشة وعقول صغيرة، طائشة.
لا تنجبوا كي تلعبوا بأطفالكم، أو تتخذوهم ونسًا، وسندًا و....و..... فتلك كلها نتائج للإنجاب، وليست أسبابًا له، لا تحملوهم فوق طاقتهم حتى قبل أن يولدوا.
لا تنجبوا لو كان قرار إنجابكم خاضعًا لضغوط عائلية، أو مدفوعًا بقوالب مجتمعية، أو محمومًا برغبات تبحث عن أي منفذ.
لا تنجبوا وبعدها تسافرون، وتتركون أطفالكم فى أيد غير أيديكم.
لا تنجبوا وبعدها تقولون لأولادكم: لم نكن نريد الإنجاب، أو كنا نريد (ولدًا)، وأنجبنا بنتًا.
لا تنجبوا وبعدها توصلون لأولادكم أن وجودهم مرفوض.
وقبل كل ذلك، وأهم من كل ذلك، لا تنجبوا، وبعدها تجعلون أولادكم يدفعون ثمن اختياركم بأن تكملوا فى حياة زوجية فاشلة، بحجة وجودهم.
أحبوا أنفسكم.. ثم أنجبوا..
أحبوا بعضكم.. ثم أنجبوا..
أحبوا الحياة.. ثم أنجبوا..
إلى كل أب وأم..
اقرأوا هذه الرسالة..
من أحد المرضى النفسيين..
د.محمد طه
أستاذ الطب النفسي بجامعة المنيا
*بتصرف يسير
اقرأ أيضا:
الزواج ليس نهاية الحكاية .. 7 أشياء يبحث عنها الرجل في المرأةاقرأ أيضا:
قواعد الحزن السبعة.. هكذا تواجهها