كثير من الناس يعاني من الفتور في العبادات، إذ ترى من يقيم الليل، ويصلي الفرائض، ويباشر التسبيح ليل نهار، ثم يتوقف لفترة، ثم يعود، وهكذا، لا يثبت على حال، لا هو استمر في صفوف الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، ولا هو استمر على طريق البعد عن الله، يعود ويبعد، ويرجع، وهكذا تمر أيامه، بل قد يصل الأمر حد أنه لا يشعر بلذة العبادات، ولا يتأثر بقراءة القرآن، ولا يتأثر بموعظة، ويقع في المعصية بسهولة، فكيف يكون الحل حتى يثبت على الحق؟
وقد أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يبلى في قلب المؤمن ويحتاج إلى تجديد كما في المستدرك والطبراني: «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم».
تجديد الإيمان
كيف إذن ينجح المسلم في تجديد إيمانه؟، عليه أولا أن يعي تمامًا أن الإيمان في قلوبنا يزيد وينقص ثم يزيد وينقص حسب ما يتعرض له المرء من أسباب ضعف الإيمان وقوته أو نقصه وزيادته، وهو ما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الحلية قال: «ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر مضئ إذ علته سحابة فأظلم إذ تجلت عنه فأضاء».
وكما أن القمر أحيانًا بينما هو منير في السماء تأتي عليه سحابة تحجب ضوءه ونوره ثم ما تلبث هذه السحابة أن تنقشع فيرجع له ضوؤه فينير السماء، كذلك قلب المؤمن بينما هو سائر في طريق استقامته إذا اعتارته بعض السقطات والهنات ولحظات الضعف بل والمعاصي فحجبت عنه نوره فيبقى الإنسان في ظلمة ووحشة، فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله انقشعت تلك الغمة وعاد للقلب نوره واستقامته.
قسوة القلب
عزيزي المسلم، إياك أن تسمح لقلبك بأن يفتر، واعلم أن الفتور يأتي بقسوة القلب، قال الله: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ» (البقرة:74)، فإذا أحسست بقسوة في قلبك وتحجر في عواطفك فاعلم أنه مظهر من مظاهر ضعف الإيمان، ومن ثمّ إياك والاستهانة بالمكروهات والمشتبهات، وإياك ألا تغار على محارم الله.. وإياك أيضًا أن تشغلك الدنيا بزينتها وتأخذك بعيدًا عما خلقت له بالأساس وهو عبادة الله الواحد القهار.
قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ »، وفي الحديث، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه»، فطغيان الدنيا على الآخرة مفسد للدين كما روي عن معاذ رضي الله عنه: «يا ابن آدم! أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج. فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر بنصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاما. وإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصيبك من الآخرة وأنت من الدنيا على خطر».
اقرأ أيضا:
كيف تستعد لرمضان من رجب؟.. خاب وخسر من لم يستعد لشهر التوبة