حياة المؤمن بين صبر وشكر.. صبر على ضراء، يصبر عندها فيربح بها أجراً ويُرفع بها قدرا، وشكر على سراء يحمد ربه عليها، ويعرف حق الله عليه فيها.
والشكر عبادة من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه.
فعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
وقال الله تعالى في سورة "إبراهيم": "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ ".
وروى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له).
وروى الشيخان أيضاً عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فيقال له؟ فيقول: (أفلا أكون عبدا شكورا!).
فنعم الله على عباده أكثر من أن تحصى وتعد، وأوسع من أن يحيط بها أحد، غير الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12].
فإن الله لا ينفعه شكر الشاكرين، ولا يضره جحود الجاحدين، فمن شكر فقد حرس النعمة عليه بالبقاء، وكسب به المزيد والنماء، ومن كفر وجحد سارع في إذهاب النعمة، وتعجيل النقمة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرَن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد".
وقال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكر عليها قلبها عذاباً؛ ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب؛ لأنه يجلب النعم المفقودة".
وكان الشكر صفة من صفات الأنبياء التي أثنى الله عليهم بها فقال نوح: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾ [الإسراء: 3]، وقال عن إبراهيم: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].
وأخبر تعالى أنما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: ﴿ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172].
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةكيف كان شكر النبي؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم عبدا شكورا، وكان شكره لله بكثرة السجود إليه كما ورد ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها المذكور سالفا.
ورَوَى التِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ - عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بِهِ، خَرَّ سَاجِدًا شُكْرًا لِلهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى».
وهذا الحديث يعلمنا أدبًا عظيمًا، وهو كيف يفعل من آتاه أمر يسرُّه، فمن آتاه الله أمرًا سارًّا، فعليه أن يسجد لله سبحانه وتعالى شكرًا.
وفي هذا الحديث أن الشكر يكون بالجوارح كما يكون باللسان.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: الشكر «هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافًا، وعلى قلبه: شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه: انقيادًا وطاعة».
فليس المقصود بالشكر، الشكر باللسان فقط، إنما الشكر – كما عرفه ابن القيم – هو ظهور أثر نعمة الله على لسان العبد ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شُهودًا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة.
وحرص الصحابة رضي الله عنهم على نقل سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، كما حرص النَّبِي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه رضي الله عنهم وعنايته بهم.
فالشكر يكون مقابل نعمة بخلاف الحمد، فيكون على نعمة أو غير نعمة.
اقرأ أيضا:
حتى يؤتيك الله من فضله.. عليك بهذه الأمور