رجم إبليس من مناسك الحج، لكن قد لا يعرف كثير من الناس، أن هناك قبرًا آخر، يُرجم منذ آلاف السنوات.. فما قصته ومن صاحبه؟..
قد يعرف الجميع قصة أبرهة الحبشي الذي أراد هدم الكعبة فنكل الله عز وجل به، وقضى عليه هو وجيشه، قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ» (5 الفيل)، لكن لا يعرف كثير من الناس أن أبرهة وصل إلى مكة من خلال "دليل" عربي دله على الطريق، فكان أشهر خائن في تاريخ العرب.
أبو رغال
هذا الدليل كان يسمى "أبو رغال"، لكن كى نتعرف على "أبي رغال" لابد أن نلقي الضوء على حادثة عام الفيل الشهيرة المذكورة في القرآن عندما جاء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة عام 571م، فبعد أن تمكن الأحباش من هزيمة آخر ملوك الدولة الحميرية "شميفع أشوع"، سيطروا على صنعاء واتخذوها عاصمة لليمن، وقام "أبرهة بن الصباح الحبشي" ببناء بيتا أسماه "القليس" – سمي بذلك لارتفاعه – لكي يتخذه العرب مكانًا للحج بدلا من الكعبة، وعندما وجد أبرهة أن الناس يرفضون الحج إلى "القليس" ويتجاهلونها ويصرون على الحج إلى بيت الله الحرام في مكة، قرر أن يتوجه إلى الكعبة بنفسه ويقوم بهدمها، ولأن أبرهة لم يكن يعرف طرق الحجاز الوعرة، كان عليه أن يبحث عن دليل يرشده في طريقه إلى مكة، وكان هذا الدليل هو "أبو رغال" من قبيلة ثقيف بالطائف.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهادليل أبرهة للكعبة
جاء في تفسير القرطبي عن وصف تلك الواقعة، أنه مع تقدم جيش أبرهة واجه قبيلة تدعى "ذو نفر" ودخل معهما في معركة شرسة بعدما قررا الدفاع عن البيت الحرام ومنع أبرهة من التقدم، إلا أن الفوز كان من نصيب أبرهة الذي واصل التقدم حتى بلغ بلاد "خثعم"، فخرجت له القبائل بقيادة "نفيل بن حبيب الأكلبي الخثعمي" فهزمهم وأسر قائدهم، حتى وصل إلى الطائف، فخرج إليه "مسعود بن معتب بن مالك" من رجال ثقيف، فقال له كما ورد بكتب التاريخ: "أيها الملك، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد -يقصدون اللات- إنما تريد البيت الذي بمكة، ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فتجاوز عنهم، فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة".
وبالفعل تقدم أبرهة خلف دليله نحو بيت الله، فلما وصل مع أبرهة إلى مكان يسمى "المغمس" قُرب عرفة ومزدلفة ومنى، مات "أبو رغال" ودفن هناك ويقال إنه أصيب بمرض عضال أهلكه فلم يكمل مسيرته، لكن ظل قبره يرجم من قِبل العرب بعد فريضة الحج، حتى بعد ظهور الإسلام بفترة.