عياض بن غنم الفهري القرشي ، صحابي جليل أسلم قبل صلح الحديبية وكان قد شهدها أرسله الخليفة أبو بكر الصديق لغزو العراق وعمل تحت قيادة خالد في العراق وبعدها في الشام ضد الروم. وكان مع أبي عبيدة بن الجراح في فتح شمال سوريا وينسب إليه فتح حلب وإعزاز، وشهد اليرموك وكان من أمراء الكراديس فيها.
وكان الصحابي الجليل معروفا بصلته الوثيقة بالصحابي واحد المبشرين الجنة وأمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما ، حيث كان أبناء عمومه كما أنه ينتسب إلى أشراف قريش ، واشتهر بأنه فاتح العراق.
وقد اعتنق عياض بن غنم الدين الإسلامي قبل صلح الحديبية الذي وقع خلال سنة 6 هجريًا ، وقد أسلم في سن الخمس وأربعين عامًا على وجه التقريب ، شهد الجميع بتقواه وورعه وكرمه ، كما أُطلق عليه لقب “زاد الركاب” ، حيث أنه كان يقوم بإطعام الناس زاده ، حتى إذا نفذ الزاد قام بنحر بعيره من أجلهم
الصحابي الجليل عياض بن غنم قام برواية بعض الأحاديث النبوية الشريفة ، ومن بين الأحاديث التي رواها قوله : سمعت رسول الله صلّ الله عليه وسلم يقول :”من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يومًا ، فإن مات فإلى النار ، وإن تاب قبل الله منه ، وإن شربها الثانية لم تقبل له صلاة أربعين يومًا فإن مات فإلى النار ، وإن تاب قبل الله منه ، وإن شربها الثالثة أو الرابعة كان حقًا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال (فقيل يا رسول الله وما ردغة الخبال ، فقال عصارة أهل النار
ورغم مظاهر التقوي والإيمان والورع والكرم التي هيمنت علي حياة الصحابي الجليل إلا أن هذا لا يلغي الجانب العسكري في شخصيته فهو مقاتل بارز وفاتح إسلامي عظيم شارك في فتوحات الشام والعراق في عهدي خلفيتي رسول الله أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقاتل ببسالة وساهم في فتح بلاد الجزيرة بين العراق والشام
ويعود سبب فتح بلادة الجزيرة على ان اهلها وفيهم، طلبوا من ملك الروم إرسال الجنود إلى الشام ووعدوه بالمساعدة والمعاونة في حالة محاصرتهم للمسلمين بحوالي ثلاثين الفا ولما علم عمر بن الخطاب بموقف اهالي الجزيرة وتقديمهم المساعدة للروم، وعلم بكتاب أبي عبيدة بن الجراح بمحاصرة الروم ومعهم أهل الجزيرة لحمص، كتب إلى سعد بن ابي وقاص في الكوفة ليندب الناس مع القعقاع بن عمرو ويرسلهم فوراً إلى أهل الجزيرة، لأنهم الذين استثاروا الروم على أهل حمصً.
وفي تلك الأثناء وجه عمر سعداً ان يسرح عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى نصيبين ثم ليقصد حران والرُّها وان يسرح الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة من ربيعة وتنوخ، وان يسرح عياض بن غنم، فان كان قتال فأمرهم إلى عياض.
واستجابة لتعليمات وأوامر الخليفة جهز جيش الكوفة ثلاث حملات لفتح الجزيرة، قاد الحملة الأولى سهل بن عدى ووجهت لفتح الرقة، حيث تعيش قبائل مضر، وقاد الحملة الثانية عبد الله بن عتبان ووجهت لفتح نصيبين (عاصمة ربيعة)، وقاد الحملة الثالثة عقبة بن الوليد ووجهت لإخضاع الاجزاء الأخرى. وعين عياض بن غنم قائداً عاماً لهذه القوة لخبرته في شؤون هذه البلاد، فقد سبق له ان جاسها.
وبالفعل انسحب أهل الجزيرة من محاصرة حمص وكانوا حوالي 30 الف مقاتل ليعودوا إلى أراضيهم. وتمكن بعدها المسلمون من فك الحصار وهزيمة الروم، بعد الاتفاق السري مع مقاتلي قنسرين العرب الذين كانوا متحالفين مع الروم في الحصار، على أن يهربوا أمام المسلمين في بداية الهجوم.
كما قاد عياض جيش المسلمين في معركة حلب ضد حاميتها الرومية. ولما توفي أبو عبيدة استخلفه بالشام وعلى كافة فتوح الجزيرة، فأقره عمر وقال: ما أنا بمبدل أميراً أمره أبو عبيدة
الصحابي الجليل اشتهر بكرمه وحسن أخلاقه ، حيث ذُكر أنه لما وُلى وفد إليه نفر من أهل بيته حيث طلبوا منه معروفًا ، فقابلهم مستبشرًا ، حيث استضافهم وأكرمهم ، وحينما أقاموا أيامًا أخبروه بما تكلفوه أثناء سفرهم ، فمنح كل رجل منهم عشرة دنانير
وكان هؤلاء الرجال خمسة ، فردوا الدنانير ، فقال لهم الصحابي عياض بن غنم :”أي بني عم والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بعد شقتكم ، ولكن والله ما خلصت إلي ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وبيع ما لا غنى لي عنه فاعذروني” ، فقال له الرجال :”الله ما عذرك الله إنك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله”.
فأجاب الصحابي عياض على الرجال بقوله :”فتأمروني أن أسرق مال الله ، فوالله لأن أشق بالمنشار أو أبرى كما يبرى السفن أحب إلىّ من أن أخون فلسًا أو أتعدى وأحمل على مسلم ظلمًا أو على معاهد ” ، فقال الرجال :قد عذرناك في ذات يدك ومقدرتك فولنا أعمالًا من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك ونصيب ما يصيبون من المنفعة ، فأنت تعرف حالنا وأنا ليس نعدو ما جعلت لنا”.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاقال لهم الصحابي عياض رضي الله عنه آنذاك :”والله إني لأعرفكم بالفضل والخير ، ولكن يبلغ عمر بن الخطاب أني قد وليت نفرًا من قومي فيلومني في ذلك ، ولست أحمل أن يلومني في قليل ولا كثير” ، فقال الرجال :”قد ولاك أبو عبيدة بن الجراح وأنت منه في القرابة بحيث أنت فأنفذ ذلك عمر ولو وليتنا فبلغ عمر فأنفذه” ، فأجابهم عياض :”إني لست عند عمر بن الخطاب كأبي عبيدة بن الجراح ، وإنما أنفذ عمر عهدي على عمل لقول أبي عبيدة فيّ وقد كنت مستورًا عند أبي عبيدة فقال فيّ وأعلم مني ما أعلم من نفسي ما ذكر ذلك عني” ، فقام القوم بالانصراف وهم يلومون لعياض
وبعد حياة حافلة ومسيرة ظافرة في الفتح والقتال كان موت الصحابي الجليل عياض سنة عشرين في عهد أمير المؤمنين عمربن الخطاب حيث استخلف الخليفة عمر على الشام سعيد بن عامر بن حذيم،..