الذنوب كالسهام التي تضرب القلب وتضعفه حتى تميته فمن لم يتب يجعل السهم يتغلل في قلبه وينشر سمومه ومن أدركها بالتوبة والاستغفار فكأنما اقتلع السهم وتداوى ولا يزال يتدوى حتى يبرأ.. وقد شرع للمسلم أن يتوب من جميع الذنوب والمعاصي لانه يدرك جيدا أثرها على قلبه وانها تأكل من الحسنات.
أركان التوبة:
والتوبة لا تكون بمجرد الكلام أو العزم القلبي لكنها تحتاج الى اركان لا تتم التوبة الا بها بأن يندم المسلم على ذنبه يا يقلع عن هذا الذنب وأن يعاهد ألا يرجع وإن كان بينه وبين غيره من البشر مظلمة يعطيها لهم أو يطلب منهم العفو .
التوبة من الذنوب التى نسيها العبد:
وإذا كانت الذنوب والمعاصي كلها كبيرها وصغيرها يلزم لها التوبة فماذا عن الذنوب التى نسيها العبد.. كيف يتوب منها؟
لقد قرر العلماء أن التوبة واجبة وان ما يجهله الإنسان من ذنوبه -وهو كثير- أو ما ينساه منها، فلا ينفع معه -كما قال العلماء- إلا التوبة العامة من جميع الذنوب. والتي تعني أن يتوب مما علمه وما لم يعلمه من ذنوبه، ويعزم فيما بقي من عمره على الاستقامة على شرع الله -تعالى- ولزوم جادة الثبات على الطاعة، وترك المعاصي كلها.
ماذا قال ابن القيم فى التوبة العامة:
وقد ذكرت اللجنة العلمية لإسلام ويب ما قاله ابن القيم فى التوبة العامة لما نسيه العبد من ذنوبه فقال: فإذا تاب من الذنب بقي عَلَيْهِ تَوْبَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ تَوْبَتُهُ مِنْ تَأْخِيرِ التَّوْبَةِ، وَقَلَّ أَنْ تَخْطُرَ هَذِهِ بِبَالِ التَّائِبِ، بَلْ عِنْدَهُ أَنَّهُ إِذَا تَابَ مِنَ الذَّنْبِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْ تَأْخِيرِ التَّوْبَةِ، وَلَا يُنْجِي مِنْ هَذَا إِلَّا تَوْبَةٌ عَامَّةٌ، مِمَّا يَعْلَمُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُ، فَإِنَّ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْعَبْدُ مِنْ ذُنُوبِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَعْلَمُهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا جَهْلُهُ إِذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ عَاصٍ بِتَرْكِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَالْمَعْصِيَةُ فِي حَقِّهِ أَشَدُّ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَيْفَ الْخَلَاصُ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ».
فَهَذَا طَلَبُ الِاسْتِغْفَارِ مِمَّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ أَنَّهُ ذَنْبٌ، وَلَا يَعْلَمُهُ الْعَبْدُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو فِي صِلَاتِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ إِلَهِيٌّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ».
ومن ثم يلزم توبة خاصة لما يعلمه العبد من ذنوب وتوبة عام وأن تجدد توبتك باستمرار، وتلزم الاستغفار والتوبة بهذا المقصد تعالج كل الذنوب ومن هنا ندرك أهمية كثرة الاستغفار.