بقلم |
فريق التحرير |
السبت 11 اكتوبر 2025 - 09:42 م
يُعدّ قضاء حوائج الناس من أعظم القربات إلى الله تعالى، ومن أسمى صور الإحسان التي دعا إليها الإسلام، لما فيها من روح التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع، ولأنها تُجسّد المعنى الحقيقي للإنسانية والإيمان. فقد جعل الإسلام خدمة الآخرين طريقًا إلى رضوان الله، ومظهرًا من مظاهر الإيمان الصادق الذي ينعكس أثره على الفرد والمجتمع.
فضله في القرآن الكريم
جاءت آيات كثيرة تحثّ على الإحسان إلى الناس والسعي في مصالحهم، قال الله تعالى:"وافعلوا الخير لعلكم تفلحون" [الحج: 77]،
وقال سبحانه:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2].
فهذه التوجيهات الربانية تؤكد أن من صفات المؤمنين أنهم يسعون في نفع غيرهم، ويحرصون على قضاء حوائج الناس دون انتظار مقابل.
قضاء الحوائج في السنة النبوية
جاءت الأحاديث النبوية لتُعلي من شأن هذه العبادة العظيمة، فقال النبي ﷺ:"من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم).
وفي حديث آخر قال ﷺ: "لأن أمشي مع أخي في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا" (رواه الطبراني).
فهذه النصوص النبوية ترسم للمسلم طريقًا واضحًا نحو نيل رحمة الله، وتبيّن أن السعي في خدمة الآخرين هو عبادة لا تقل أجرًا عن النوافل والعبادات الفردية.
قضاء الحوائج.. بناء للمجتمع وترابط للقلوب
إن المجتمع الذي يسوده التكافل والتعاون مجتمع قوي متماسك، تسوده المحبة والإخاء، وتنحسر فيه مظاهر الأنانية والقسوة. فحين يقضي الإنسان حاجة أخيه، يزرع في قلبه الأمل، ويشيع روح الطمأنينة في نفوس الناس، فيعمّ الخير وتنتشر البركة.
كما أن قضاء الحوائج يطهر النفس من الشحّ، ويعلّم الإنسان الإيثار والتواضع، فيتحقق بذلك قول النبي ﷺ: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه."
نماذج مضيئة من سيرة السلف
كان الصحابة والتابعون يتسابقون في خدمة الناس، حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، إشباع جوعته، أو قضاء حاجته، أو كشف كربته."
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يترك اعتكافه في المسجد الحرام ليقضي حاجة لأحد الناس، ويقول:
"لأن أقضي حاجة لأخٍ مسلم أحب إليّ من أن أعتكف شهرًا في المسجد.".
وأخيرا فإن قضاء حوائج الناس ليس مجرد عمل إنساني، بل هو عبادة جليلة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، ومفتاح لمحبة الله ورضاه. فهنيئًا لمن سخّر نفسه لخدمة الناس، وجعل من عطائه وسيلة لنشر الخير والرحمة، مصداقًا لقوله ﷺ: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس."