من أجمل ما يميز الإنسان في تعامله مع الناس هو قدرته على الشعور بالآخرين ومراعاة أحاسيسهم، فهي علامة رقيٍّ في الأخلاق، ونبلٍ في الطبع، ولبنة أساسية في بناء مجتمع متماسك تسوده المحبة والاحترام. وقد جاءت تعاليم الإسلام داعيةً إلى هذا الخلق السامي، لما له من أثر كبير في نشر السعادة والسلام بين الناس.
قيم إنسانية أصيلة
مراعاة مشاعر الآخرين ليست مجرد سلوك اجتماعي محمود، بل هي خلق إنساني رفيع ينبع من القلب الطيب والضمير الحي. فالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، وتقدير ظروف الناس، كلها مواقف بسيطة لكنها تترك أثرًا عميقًا في النفوس.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: "وقولوا للناس حسناً" [البقرة: 83]،
فالكلمة الطيبة لا تُكلِّف شيئًا، لكنها تبني جسور المودة وتطفئ نار الكراهية.
في هدي النبي ﷺ
كان رسول الله ﷺ أرقّ الناس قلبًا، وأحسنهم خُلُقًا في التعامل مع الآخرين، يراعي مشاعرهم ويقدّر ضعفهم. فقد رُوي أنه كان إذا حدّثه أحد جلس إليه بكامل جسده، حتى يظن المحدّث أنه أحب الناس إليه.
كما قال ﷺ:"لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق."
وهذا دليل على أن أبسط صور اللطف، كالبشاشة والابتسامة، تُعدّ عبادة وقربة إلى الله تعالى.
أثر مراعاة المشاعر في المجتمع
إن المجتمع الذي يحرص أفراده على احترام مشاعر بعضهم يصبح مجتمعًا يسوده الود والرحمة، وتختفي منه مظاهر القسوة والتنمر وسوء الظن.
فكم من كلمة قاسية كسرت قلبًا، وكم من تصرف بسيط جبر خاطر إنسان وأعاد له الأمل. لذا قال العلماء: "جبر الخواطر عبادة لا يعلم ثوابها إلا الله."
ومراعاة المشاعر لا تعني فقط اللين في القول، بل تشمل تفهّم ظروف الناس، وتقدير معاناتهم، وعدم إحراجهم أو السخرية منهم، فالاحترام المتبادل هو الأساس في كل علاقة إنسانية ناجحة.
نماذج من السلف الصالح
كان الصحابة رضوان الله عليهم مثالًا في اللطف والرفق. فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: "من خاف الله لم يؤذِ أحدًا، ومن راعى الناس عاش محبوبًا بينهم."
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:
"القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للخير وألينها للناس."
إن مراعاة مشاعر الآخرين خُلُق لا يكلّف شيئًا، لكنه يصنع فارقًا كبيرًا في حياة الناس. وهي من أسمى صور الرحمة التي أمرنا بها الإسلام، ومن علامات قوة الشخصية ونقاء القلب. فلنحرص جميعًا على أن تكون كلماتنا وأفعالنا بلسمًا للقلوب، لا سببًا في جرحها، فالكلمة الطيبة صدقة، وجبر الخواطر عبادة، والرحمة بالناس طريق إلى رحمة الله.