كان يملك إحساسًا وخشوعًا لا يضاهيه فيه أحد يجعل من يستمع إليه لا يستطيع أن يحبس دموعه من روعة الإحساس الذي كان يؤدي به الابتهالات والمدائح النبوية، كان صوته يخترق القلوب، حتى صنفه البعض بـ"ملك الإنشاد الديني وشيخ المبتهلين"، ووصفته الصحافة الألمانية بـ "الصوت الذي يضرب علي أوتار القلوب".
الشيخ نصر الدين طوبار ولد عام 1920 بالمنزلة بالدقهلية، بدأ حفظ القرآن الكريم شأنه شأن كل كبار المبدعين من جيله والأجيال التي سبقته، ذاع صيته في مدن وقرى المحافظة، ونصحه أصدقاؤه أن يتقدم لاختبارات الإذاعة، وبالفعل تقدم إلى الاختبارات لكنه رسب خمس مرات متتاليات، حتى ضجر، إلا أن إصرار من حوله لاقتناعهم بصوته، دفعه إلى دخول اختبارات أصوات قراءة القرآن والإنشاد الديني للمرة السادسة، وكان أن نجح في السابعة.
اكتسب مقدرة فائقة وفريدة على القراءة، بفضل العلم الذى حرص على تحصيله، وبقربه من المشايخ الكبار أمثال "مصطفى إسماعيل" و"علي محمود"، وإلمامه بعلوم اللغة العربية.
دراسة الموسيقي والمقامات الصوتية
وقد تميز عن أقرانه باهتمامه بالعلم الموسيقي ودراسة المقامات الصوتية على أيادي متخصصين، وكان يؤمن بأن الابتهال ليس مجرد صوت حسن فقط، بل هو تدريب صوتي على القراءة الصحيحة المتمكنة لفترات طويلة، وظهر ذلك بوضوح في كل ما تركه، إضافة إلى إحساسه بالنص الشعري الذي يؤديه، وقدرته على تجسيد المعاني واختيار المقامات الموسيقية الملائمة لها وللحالة المزاجية التي يكون عليها أثناء القراءة.
لقاؤه بالموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب كان له أثر كبير في حياته، فتعلم على يديه المقامات الموسيقية، وكان يرى فيه بأنه صوت مميز وحنجرة ذهبية، وبعدها درس الموسيقى لمدة عام ليخوض عالم الإذاعة كمبتهل، بعد أن نصحه بأن يتوجه للموشحات الدينية والابتهالات، كما درس اللغة العربية ورأى فيه محمد حسن الشجاعى، رئيس الإذاعة وقتها، بأنه مكسب للإذاعة المصرية.
مائتا ابتهال
قدم الشيخ طوبار ما يقرب من مائتي ابتهال، كتبها كبار الشعراء، مثل أمير الشعراء أحمد شوقي وصالح جودت وعبد الفتاح مصطفى ومرسي جميل عزيز، كما ابتهل من الصوفية للبوصيري والحصري القيرواني، ووضع لها كبار الموسيقيين القالب الموسيقى ومنهم بليغ حمدي وكمال الطويل وأشهرها "يا مالك الملك"، و"مجيب السائلين"، و"جل المنادي"، و"السيدة فاطمة الزهراء"، و"غريب"، و"يا سالكين إليه الدرب"، و"يا من له في يثرب"، و"يا من ملكت قلوبنا"، و"يا بارئ الكون"، و"ما بين زمزم"، و"من ذا الذي بجماله حلاك"، و"سبحانك يا غافر الذنوب"، و"إليك خشوعي".
اهتم الشيخ طوبار بالكلمة اهتمامًا كبيرًا، وعلى الرغم من رصيده الكبير من الموشحات التقليدية القديمة، وإجادته في أدائها، إلا أنه حرص على اختيار كلمات تكتب له خصيصًا، وتعامل مع عدد من الشعراء، من أهمهم الشيخ الصاوي شعلان، الذي ترجم قصيدة لمحمد إقبال في مدح السيدة فاطمة الزهراء، خصيصًا لينشدها.
واختير مشرفًا وقائدًا لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون عام 1980، وأنشد في قاعة "ألبرت هول" بلندن في حفل المؤتمر الإسلامي العالمي، وسافر إلى العديد من الدول العربية والأجنبية، وكتبت عنه الصحافة الألمانية "صوت الشيخ نصر الدين طوبار يضرب على أوتار القلوب"، وتم تعيينه قارئًا للقرآن الكريم ومنشدًا للتواشيح بمسجد الخازندارة بشبرا.
اقرأ أيضا:
أعظم وصية من أم لابنها في السفرعلاقته بجيرانه الأقباط
عاش لأكثر من 30 عامًا في شارع برسوم مطر في منطقة شبرا بين جيرانه الأقباط، لا يعادي أحدًا ولا يُعامل أي شخص بسوء، ولم يُعرف عنه طوال فترة سكنه غير سماحته وحسن خُلقه وحديثه الطيب وباب بيته المفتوح للجميع، فاعتبره الأقباط هناك أبًا لهم.
واخترق بصوته أجواء بيت المقدس يوم أن أنشد في حفلة بالمسجد الأقصى الذي زاره مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات في رحلته إلى القدس، وكان بصحبته الشيخ مصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد، وشعبان الصياد، وكان ذلك يوم العيد من عام 1977، وكان يكبر للعيد بنفسه بينما يردد بعده المصلون بالمسجد الأقصى.
كان أول من شدا احتفالًا بحرب السادس من أكتوبر أمام الرئيس السادات الذي كرمه أكثر من مرة، وتوفي في 6 نوفمبر عام 1986، وكرمه الرئيس الأسبق حسني مبارك في بادئ عهده بالرئاسة، ومنح ورثته نوط الامتياز من الطبقة الأولى بعد وفاته عام 1991.