بعد مقتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق أمّرت
اليهود عليهم أسير بن رزام، حيث قام خطيبا في اليهود فقال: «والله ما سار محمد إلى أحد من يهود ولا بعث أحدا من أصحابه إلا أصاب منهم ما أراد، ولكني أصنع ما لم يصنع أصحابي» .
فقالوا: وما عسيت أن تصنع؟ قال: أسير في غطفان فأجمعهم ونسير إلى محمد في عقر داره فإنه لم يغز أحد في عقر داره إلا أدرك منه عدوه بعض ما يريد .
قالوا له: نعم ما رأيت. فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه عبد الله بن رواحة في شهر رمضان ومعه ثلاثة نفر سرا ليكشف له الخبر.
فأتى ناحية خيبر فدخل في الحوائط وفرق أصحابه في قلاع وكتائب ( النطاة والشق والكتيبة)، فوعوا ما سمعوا من أسير بن رزام أو غيره، ثم خرجوا بعد مقام ثلاثة أيام.
فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لليال بقين من شهر رمضان فأخبره بكل ما رأى وسمع، وقدم عليه أيضا خارجة بن حسيل الأشجعي فاستخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وراءه.
فقال: تركت أسير بن رزام يسير إليك في كتائب يهود، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب له ثلاثون رجلا، كان فيهم عبد الله بن أنيس، حيث يقول : «فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا إلى أسير إنا آمنون حتى نأتيك فنعرض عليك ما جئنا له.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورها قال: نعم ولي مثل ذلك منكم، قلنا. نعم. فدخلنا عليه فقلنا: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك»، فلم يزالوا به حتى خرج معهم، وطمع في ذلك.
وشاور يهود فخالفوه في الخروج وقالوا: «ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرائيل» قال: «بلى قد مللنا الحرب» .
فخرج معه ثلاثون رجلا من يهود خلف كل واحد منهم رجل من المسلمين.
وحمل عبد الله بن أنيس أسير بن رزام على بعيره، قال عبد الله بن أنيس: «فسرنا حتى إذا كنا بمكان يقال له " قرقرة ثبار" وندم أسير وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري.
وقلت: «أغدرا أي عدو الله؟» فدنوت منه لأنظر ما يصنع، فتناول سيفي فغمزت بعيري وقلت: «هل من رجل ينزل يسوق بنا؟» فلم ينزل أحد، فنزلت عن بعيري فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير، فضربته بالسيف فقطعت مؤخرة الرجل وأندرت عامة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره وفي يده ما يشبه النصل فضربني ففتح رأسي بجرح بليغ، وملنا على أصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شدا، ولم يصب من المسلمين أحد. ثم أقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قالوا: «تمشوا بنا إلى الثنية لنبحث عن أصحابنا» ، فخرجوا معه. فلما أشرفوا على الثنية إذ هم بسرعان أصحابنا فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فانتهينا إليه فحدثناه الحديث فقال: «قد نجاكم الله من القوم الظالمين» .
قال عبد الله بن أنيس: «فدنوت من النبي صلى الله عليه وسلم فنفث في جرحي فلم يألم بعد ذلك اليوم ولم تؤذني.