أخبار

يكتب بيت الزوجية باسم زوجته .. ويجبرها على التنازل عن مؤخر الصداق.. فما الحكم

هذا هو العام الأصعب في حياة الإنسان

احذر.. مخاطر صحية لتشغيل المدفأة أثناء النوم

كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟

الأمانة دليل إيمانك.. هذه بعض صورها

النبي يقول: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك.. هل حق الأم يزيد عن حق الأب ولو كانت ظالمة؟

قصة كبش إسماعيل.. من أين جيء به وما صفته؟

هكذا كان حال الصالحين مع الله.. يعبدونه خوفًا ورغبًا

ليست كلها ضدك.. أسباب تحول بينك وبين استجابة الدعاء

متى التمست العذر لصديقك حتى لا تفقده؟

التضرع إلى الله أكبر حكمة من الابتلاء.. به يستشعر المسلم ربوبية الخالق ويدرك مقتضى العبودية

بقلم | خالد يونس | السبت 11 ابريل 2020 - 08:00 م
الابتلاء هو سنة الله عز وجل في الكون وفي خلقه، وقد يكون بالخير أو الشر‘ فإذا كان بالخير فهو لكي يختبر فينا عز وجل قيامنا بشكر نعمه وآلائه، وإن كان الابتلاء بالشر فهو لكي يختبر فينا الصبر والتضرع إليه والتذلل له عز وجل لكي يرفع عنا البلاء.

والتضرع إلى اله عز وجل والتذلل له سبحانه لا يصح أن يكون بقلب لاه ولا بمجرد لسان يردد كلمات لا يشعر بها، ولكن ينبغي أن يكون بقلب حاضر يملأه الشعور بالضعف والتذلل إلى الخالق وإدراك أنه بيده وحده سبحانه رفع البلاء وتفريج الكرب وكشف الغمة، فباستشعار هذه المعاني يدرك المسلم معنى الربوبية وتتحقق فيه مقتضيات العبودية بالتسليم والخضوع التام لله عز وجل.

يقول الله عز وجل في سورة الأنعام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:42-43]. قال ابن كثير رحمه الله: "{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ} يعني: الفقر والضيق في العيش {وَالضَّرَّاءِ} وهي الأمراض والأسقام والآلام {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون... قال الله تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا، {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أي: ما رقت ولا خشعت، {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: من الشرك والمعاصي" (تفسير ابن كثير).

عتاب على ترك الدعاء


الشيخ د. عامر الشوهان ينقل عن الإمام  القرطبي رحمه الله قوله : "{فَلَوْلا} تَحْضِيضٌ، وَهِيَ الَّتِي تَلِّي الْفِعْلَ بِمَعْنَى هَلَّا، وَهَذَا عِتَابٌ عَلَى تَرْكِ الدُّعَاءِ، وَإِخْبَارٌ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَضَرَّعُوا حِينَ نُزُولِ الْعَذَابِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا تَضَرَّعُوا تَضَرُّعَ مَنْ لَمْ يُخْلِصْ، أَوْ تَضَرَّعُوا حِينَ لَابَسَهُمُ الْعَذَابُ، وَالتَّضَرُّعُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ غَيْرُ نَافِعٍ {وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أَيْ صَلُبَتْ وَغَلُظَتْ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْكُفْرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ} أَيْ أَغْوَاهُمْ بِالْمَعَاصِي وحملهم عليها" (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي [6/425]).

وإذا كانت هذه الآية الكريمة تتحدث عن أقوام كذبوا رسلهم وأصروا على كفرهم حسب ما هو منصوص عليه في كتب التفسير، فإنها نبهتني إلى شدة حاجة المسلمين اليوم إلى تدبرها والاتعاظ بها، فالبأس والكرب والابتلاء الذي نزل بساحة المسلمين في هذه الأيام، لا نرى ما يقابله من التضرع والتذلل والانكسار المطلوب إلى الله تعالى في مثل هذه الظروف والأحوال العصيبة التي تمر بها الأمة. نعم.. قد تكون هناك فئة قليلة المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى بالليل والنهار، ويتذللون بين يديه بالدعاء طالبين منه سبحانه أن يرفع المحنة ويكشف الغمة عن الأمة، إلا أن العدد الأكبر من المسلمين غافلين عن هذه الوسيلة الناجعة في رفع البلاء والنصر على الأعداء، والكلام لا زال للدكتور عامر الشوهان.

منحة وعطاء

إن حقيقة الابتلاء - إن تعامل العباد معه بما أمر الله تعالى - منحة وعطاء، فالله تعالى يبتلي عبده ليسمع تضرعه، وهو سبحانه يحب صوت الملحين في الدعاء، وأنين المتضرعين إليه في الضراء. قال ابن القيم رحمه الله: "فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحب التجلد عليه، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه، وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، فرحمته اقرب إلى هذا القلب من اليد للفم " (من كتاب الروح).

ومن هنا كان تضرع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام والتجاؤهم إلى الله سمة بارزة في سيرتهم العطرة حين نزل بهم البلاء واشتد عليهم الكرب، فكان نداء نوح عليه السلام ربه أن ينجيه وأهله من الكرب العظيم، كما كان التجاء ابراهيم عليه السلام إلى الله وحده أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى زوجه وولده، وافتقار أيوب عليه السلام أن يكشف الله ما نزل به من ضر، واستغاثة يونس عليه السلام في ظلمة جوف الحوت وقاع البحر أن ينجيه من الغم، كما كانت شكوى يعقوب عليه السلام لله وحده: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف:86].

النبي يتضرع إلى الله في الغزوات


وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من أمته، ما يؤكد التزامهم في البأساء والضراء و زمن المحن والابتلاءات بالتضرع وشدة الإلتجاء إلى الله سبحانه وتعالى. فمع تضرع والتجاء الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى في كل أحواله، إلا أن شدة تضرعه وانكساره وإلحاحه على ربه باستجابة دعائه كانت في وقت الحروب والأزمات، ففي غزوة بدر الكبرى أكثر الرسول الكريم من التضرع إلى الله والإلحاح بالدعاء إليه سبحانه، ففي الحديث الصحيح عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِى مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِى الأَرْضِ»، فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: "يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9]، فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ" (صحيح مسلم برقم [4687]).

والصحابة والخلفاء الراشدون  يتضرعون


لم يكن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وحده من يتضرع إلى الله تعالى في وقت الشدة والمحنة والنوازل، بل كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يتضرعون إلى الله تعالى أيضا ويستغيثون به، ويسألونه النصر والتأييد، وكتاب الله تعالى يؤكد ذلك ويؤيده: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9]، قال الطبري رحمه الله: "ومعنى قوله: {تستغيثون ربكم }: تستجيرون به من عدوكم، وتدعونه للنصر عليهم" (تفسير الطبري [13/409]).


وإذا استعرضنا سيرة خلفاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وجدنا أن التضرع إلى الله تعالى كانت السمة البارزة في خلواتهم في الشدائد والنوازل، ويكفي أن نذكر في هذا المقام حال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة، فمع اتخاذه كافة التدابير الكفيلة بإنهاء المجاعة واحتوائها، من خلال استنفار عماله في الأمصار والكتابة إليهم ليرسلوا إلى المدينة الطعام والميرة، والإشراف بنفسه على إطعام الناس ومواساتهم.. أضاف إلى هذه الأسباب المادية الضرورية شدة تضرعه إلى الله أن يكشف ما نزل بالمسلمين من محنة في ليله وخلوته. فقد ورد أنه رضي الله عنه كان يتضرع إلى الله تعالى في كل ليلة أن يرفع البلاء ويكشف بأس المسلمين وكربهم، وقد ذكر ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ذلك بقوله: "كان عمر بن الخطاب أحدث في عام الرمادة أمرًا ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب، فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي".
ولهذا ينبغي علينا في ظل أزمة وباء كورونا أن نتضرع إلى الله ونتذلل له سبحانه في دعائنا.. تذلل الضعيف المبتلى الذي لا يرجو سوى رحمة ربه في كشف هذا البلاء.




الكلمات المفتاحية

الابتلاء التضرع إلى الله البأساء والضراء الربوبية العبودية

موضوعات ذات صلة

الأكثر قراءة

amrkhaled

amrkhaled الابتلاء هو سنة الله عز وجل في الكون وفي خلقه، وقد يكون بالخير أو الشر‘ فإذا كان بالخير فهو لكي يختبر فينا عز وجل قيامنا بشكر نعمه وآلائه، وإن كان الا