تشريع الصيام لجميع الأمم
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
شرع الله سبحانه وتعالى الصيام لناولغيرنامن الأمم السابقة، كما أخبر في كتابه الكريم، لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كلِّ زمان، وفيه تنشيط للهمة، والمسارعة إلى صالح الخصال، ومع اختلاف الكيفية بين صيام هذه الأمة وصيام الأمم السابقة، فإن أصل الصيام وجوهره واحد، وهو منع النفس عن بعض الأمور تعبدًا لله سبحانه؛ وتقوى الله والرحمة بالغير والاستغفار عن المعاصي والآثام التي يرتكبها كل واحد منا، للاستقاظ من الغفلة التي نعيش فيها، خاصة وأن الصيام انتفاضة وفرصة حقيقية للتغيير والانتقال من براثن المعصية إلى جوار الرحمة.
اقرأ أيضا:
كلما رأيت الخير.. أسرع الخطى إليهالتقوى أعظم مقاصد الصيام
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
تحقيق التقوى من أعظم المقاصد والمطالب التي ينبغي للمسلم أن يحققها، فالله سبحانه خلق الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب لعبادته وتقواه عز وجل؛ فقد قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
فجوهر التقوى هو تحقيق مراقبة الله سبحانه في السر والعلن، وهذا ما يربِّيه الصيام في قلب المؤمن؛ فالصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثالَ أمرِ الله واجتناب نهيه، فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها ثوابه، فهذا من التقوى، ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله عليه”.
تزكية النفس
كما أن تزكية النفس وطهارتها من سيئ الأخلاق ورذائل الصفات من أعظم مقاصد الصوم أيضا؛ وذلك أن الصائم حال تلبسه بهذه العبادة يدرب نفسه على محاسن الأخلاق، والبعد عن قول الزور والفحش واللغو والرفث، وهذا مقصد واضح من مقاصد الصيام؛ فقد قال الإمام ابن كثير في تفسير قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]:.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لم يَدَع قولَ الزُّور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه))؛ [رواه البخاري].
وفي الحديث القدسي "وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يَرفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ".
مظاهر الرحمة
ومن مقاصد الصيام الرحمة بالغير، كأن يشعر الأغنياء بحاجة الفقراء، فترق قلوبهم في الإنفاق عليهم، ويسارعون إلى مساعدتهم، وهذا نلاحظه كثيرًا في شهر رمضان.
ومن مظاهر الرحمة التي تغمر هذه العبادة العظيمة، أن الله سبحانه لم يأمر عباده بصيام الدهر كله، بل كلفهم ببعض الأيام المعدودات؛ فقال تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184]؛ وذلك رحمة بهم ولعلمه بضعفهم.
ومن مظاهر الرحمة أن الله سبحانه لم يفرضه مباشرة على عباده، إنما حرص على التدرج في فرضيته؛ مراعاة لطبيعة الإنسان ورفعًا للمشقة عنه؛ حيث كان المسلم في بداية الأمر مخيرًا بين الصيام أو الإطعام؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184].
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: “أما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام، فقد كان مخيرًا بين الصيام وبين الإطعام، إن شاء صام، وإن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينًا، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كلِّ يوم، فهو خير، وإن صام فهو أفضل من الإطعام… ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح”.
ومن مظاهر الرحمة أن الله سبحانه رفع الحرج عن المريض والمسافر بأن يترك الصيام ويقضيه في أيام أخر؛ حتى لا يفوتهما مقاصد الصيام وما فيه من المصالح والفوائد؛ فقال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184].
ومن مظاهر الرحمة أنه سبحانه أحل لعباده ليلة الصيام ما كان محرمًا عليهم وقت الصيام من الطعام والشراب والجماع؛ رحمة بهم ورفعًا للمشقة عنهم؛ فقال سبحانه: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187].